IMLebanon

التسوية داخليّة ـ دوليّة… وموافقة الرياض أطلقَتها

لن يطولَ الوقت حتى تتكشّف كلّ تفاصيل التسوية التي أنهت أزمة الاستحقاق الرئاسي في حمأة التطوّرات والتعقيدات المتلاحقة محلّياً وإقليمياً ودولياً، لأنّ لبنان ما تعوّدَ يوماً منذ استقلاله عام 1943 إنتاجَ تسوية «صُنع في لبنان» لكلّ استحقاقاته الرئاسية السابقة من دون توافقات ـ تدخّلات خارجية.

التسوية بشقّها الخارجي كانت أميركية ـ فرنسية ـ روسية ـ إيرانية ـ عُمانية ـ سعودية، و«أمرُ العمليات» أو الموافقة على بدء التنفيذ صدرَت من المملكة العربية السعودية: «لا مانعَ من انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية اللبنانية».

واستُتبع بإيفاد وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان الى بيروت ليلتقي غالبية المراجع والقيادات السياسية، وذلك بُعيد تحرّك الرئيس سعد الحريري لتنفيذ مبادرته، حيث أعلن إثر عودته من الرياض تبنّي ترشيح عون، ثمّ تسارعت الاتصالات والتحضيرات لجلسة «الاثنين الكبير» الماضي وانتُخِب عون بأكثرية 83 صوتاً مقابل 35 ورقة بيضاء وورقة حملت اسمَ النائب ستريدا جعجع وسبعة أوراق اعتُبرَت ملغاة.

كان عنوان التسوية التي ستنكشف تفاصيلها في وقتٍ ليس ببعيد هو انتخابُ عون رئيساً وتسمية الحريري رئيساً للحكومة، وهذا ما حصَل، مع فارق أنّ الأخير فاز بتأييد أكثرية 112 نائباً من أصل 128، ما يعطيه قوّةَ دفعٍ معنوية وسياسية كبيرة لتأليف حكومة سمّاها «حكومة وفاق وطني» تتمثّل فيها كلّ المكوّنات والأطياف اللبنانية.

وهذا التأييد النيابي المرموق للحريري الذي يجمع كثيرون على اتّصافه بالاعتدال، يرتّب عليه مسؤوليات كبيرة لعلّ ابرزَها أن تكون حكومته منسجمة ومتوازنة وفاعلة تليق بالأوضاع المأزومة التي ستتصدّى لها.

ويذهب البعض الى انّ رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي وفّاه «الدَين» الذي قطَعه على نفسه قبل أسابيع بالوقوف الى جانبه «ظالماً كان أم مظلوماً» يشكّل رافعةً كبيرة للحكومة العتيدة. بل إنّ بري قال في الاسابيع الاخيرة ايضاً، تعليقاً على قول البعض من انّ الحريري هو في وضعِ «الضعيف»: «إذا كان الحريري ضعيفاً فعلينا أن نقوّيَه».

وقد قصَد بري من هذا الكلام أن يؤكّد بطريقة غير مباشرة انّ الحريري هو الشخصية الاعتدالية التي تليق بالمرحلة إذا ما قورنَ مع آخرين في بيئته وشارعه، فمثلُ هذه الشخصية هي المطلوبة لإخراج البلاد من حال التشنّج الطائفي والمذهبي، فضلاً عن التشنّج السياسي.

كذلك فإنّ صفة الحريري الاعتدالية هذه، قد اخَذت بها القوى الاقليمية والدولية التي أنتجَت التسوية الرئاسية اللبنانية، بدليل انّ ايّ شخصية أُخرى لم تُرَشَّح، أو تَتَرشَّح، لمنصب رئيس الحكومة الأولى لعهد عون.

بعض السياسيين يقولون إنّ هذه التسوية ليست معزولة عن تسويات إقليمية ما ستتبلوَر في قابل الأسابيع والأشهر، لأنّ الدول التي أنتجَتها أخذت في الاعتبار الأزمات الاقليمية، وأنّ الموافقة السعودية على هذه التسوية، تشكّل ابرزَ دليل على انّ هذه التسويات آتية في وقتٍ ليس ببعيد، وعلى الأرجح انّ معالمها ستبدأ بالظهور مطلعَ السنة الجديدة بعد أن تكون الصورة قد اتّضحَت في سوريا والعراق واليمن، حيث يعتقد كثيرون أنّ ما يجري على ساحات هذه الدول يشبه «مرحلة التصفيات النهائية» التي تسبق عادةً التسويات السياسية التي تُبنى عليها.

على انّ المواقف الداخلية التي تلاحقت قبَيل اسابيع قليلة من انتخاب رئيس الجمهورية قد تماهت عن سابق إصرار أو من دونه، مع عناوين التسويات الإقليمية الآتية، وإن كانت في جانب منها مبنية على رغبة القوى الداخلية في الخروج من المأزق الرئاسي والدخول في آفاق التوافق الداخلي، والذي قد يتطوّر في المدى القريب الى «مصالحات وطنية كبرى» ثنائية أو ثلاثية أو جماعية قد تفاجئ البعض في الداخل والخارج، خصوصاً إذا تمكّنَ الحريري من تأليف حكومته بسلاسة ويُسرٍ وارتضَت بها كلّ المكوّنات السياسية والطائفية التي ستتمثل فيها، فمِثلُ هذا الرضى إذا حصل سيفتح الابواب امام تلك المصالحات الوطنية، والمؤشرات على ما سيكون عليه التأليف تدلّ الى احتمال ولادة الحكومة عشيّة عيد الاستقلال في 22 الجاري، إذا لم تبرز ايّ عقَد استيزار هنا أو هناك امام الرئيس المكلف، أو إذا حصَل خلاف على توزيع الحقائب الوزارية وعلى الحصص، ويقال إنّ ثمّة توجّهاً لدى الحريري وآخرين الى حكومة ثلاثينية لتوسيع قاعدة التمثيل في حال برَزت مطالب توزير لدى هذا الفريق أو ذاك.

على انّ بعض القوى والمراجع السياسية اللبنانية تسوق مجموعة اسباب داخلية لحصول التسوية للأزمة الرئاسية، ومنها انّ التسوية الخارجية، او التوافق الخارجي عليها، إنّما بُنيَ على ارضية لبنانية وفّرها التفاهم الذي حصَل بين عون والحريري مباشرةً وعبر معاونِيهما الذين سيواصلون التشاور واللقاءات لاستكمال هذا التفاهم لاحقاً، ونواة هذا التفاهم هو التوافق بين الرَجلين أوّلاً على معادلة : «عون رئيساً للجمهورية مقابل الحريري رئيساً للحكومة»، وهي معادلة يَعتبرها كثير من المعنيين بها تنازلاً متبادلاً: «فريق تنازَل وقبلَ بعون رئيساً للجمهورية والفريق الآخر تنازَل وقبل بالحريري رئيساً للحكومة».

وهذه المعادلة كان يمكن ان تَسقط في ايّ لحظة قبل حصولها لو أنّ أيّاً مِن الفريقين غيّر رأيَه وقال: «لا».. ولكن الواضح انّ الفريقين، وكذلك القوى الاقليمية والدولية، ادركَت في لحظةٍ ما أنّ استمرار المأزق الرئاسي اللبناني سيضع بلاد الأرز على «كفّ عفريت» سياسياً واقتصادياً ومالياً وأمنياً واجتماعياً ومعيشياً، كذلك أدركت انّ انفجار لبنان، إذا حصَل، سيزيد من الأزمات الإقليمية، التي يُعمل على معالجتها، تفجّراً أكثرَ فأكثر.

ويذهب البعض الى القول إنّ ما فرَض التسوية داخلياً كان تمسّك حزب الله الاستراتيجي بترشيح عون، ورغبة الحريري لاعتبارات متعدّدة بتولّي رئاسة الحكومة في هذه المرحلة، ولكن أيّاً يكن من أسباب ودوافع فإنّ طبّاخي التسوية الإقليميين والدوليين ينقسمون على فريقين، أحدُهم مؤيّد لعون ومن يمثّل، والفريق الآخر مؤيّد للحريري ومن يمثل، فتلاقى الفريقان على الدفع لإنجاز هذه التسوية، وهكذا كان.