المشكلة في لبنان ليست في اجراء الانتخابات النيابية في موعدها المقرّر بعد تسعة اشهر بحضور مراقبين أوروبيين او غيابهم. المشكلة في قانون الانتخابات العجيب الغريب الذي يبقي «حزب الله» مسيطرا على مجلس النواب.
كذلك الامر في ما يخصّ كارثة تفجير مرفأ بيروت. ليست المشكلة في ذلك النائب او الوزير السابق او المسؤول الامني او ذاك… وفي رفع الحصانات او عدم رفعها. المشكلة اصلا في رفض رئيس الجمهوريّة ميشال عون، منذ لحظة التفجير في الرابع من آب – أغسطس 2020، ان يكون هناك تحقيق دولي يكشف الحقيقة.
ثمّة حاجة الى مثل هذه الحقيقة بدل الهرب منها ومن واقع يتمثّل في انّ رئيس الجمهوريّة اعترف بالصوت والصورة انّه تلقّى تقريرا امنيا عن وضع المرفأ قبل ثلاثة اسابيع من التفجير ولم يتحرّك بسبب «غياب الصلاحيّات». لا حاجة لدى رئيس الجمهورية الى صلاحيّات عندما يتعلّق الامر بإعطاء توجيهات عبر مساعديه تقضي بالكشف عمّا في عنابر المرفأ والمواد المخزنة فيها. لكنّ هناك شكوى من غياب للصلاحيّات عندما تكون الحاجة الى تحمّل المسؤولية. وهناك تجاوز لكلّ الصلاحيات والأعراف عندما يتعلّق الامر بتعطيل تشكيل حكومة لبنانيّة تضمّ «اختصاصيين» تستطيع، في الحدّ الأدنى، معالجة حال الانهيار التي يعاني منها البلد الذي فقدت عملته قيمتها. استخدم رئيس الجمهورية ما سمّاه «صلاحيات» كي يضطر سعد الحريري الى الاعتذار عن عدم قدرته على تشكيل حكومة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه… هذا اذا كان لا يزال هناك ما يمكن إنقاذه!
في كلّ الاحوال، لم يعد تشكيل حكومة يقدّم او يؤخّر في ظلّ التدهور الذي يعاني منه لبنان على كلّ المستويات وفي ظلّ اخذ الناس الى معارك وهميّة لا فائدة منها، معارك من نوع رفع الحصانات، في حين لا وجود لمن يسأل ولو سؤالا واحدا في غاية البساطة. هذا السؤال يتعلّق بمن غطّى عملية تخزين نيترات الامونيوم في العنبر الرقم 12 وما هي وجهة استخدام الكميّات التي أخرجت من العنبر على دفعات؟ هنا يتوقّف البحث عن الحقيقة ما دام المطلوب اخذ المواطنين الى مكان آخر وجعلهم يصدّقون خرافات لا هدف منها سوى الهرب من الواقع، واقع من يتحكّم بالبلد فعلا…
بعد فشل «حزب الله» في انتخابات 2005 و2009 في الحصول على اكثريّة نيابيّة، استطاع الحزب بفضل القانون الذي فرضه، نيل مثل هذه الاكثريّة في انتخابات ايّار – مايو 2018. مكّنت نتائج الانتخابات التي أجريت بفضل هذا القانون، من ضرب وحدة اهل السنّة واختراقها واسقاط اكبر عدد من المستقلّين المسيحيين من أمثال بطرس حرب، على سبيل المثال وليس الحصر. كذلك، مكّن قانون الانتخابات قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني، الذي اغتاله الاميركيون مطلع العام 2020، من القول صراحة انّه باتت لدى ايران «أكثرية» نيابيّة في لبنان…
لا يميّز العهد القائم الذي يسمّي نفسه «العهد القويّ»، في حين انّه «عهد حزب الله»، بين الحقيقة والهرب منها. لا يميّز بين الحقيقة التي تعني انّ لا قيمة لأيّ انتخابات اشتراعية في ظلّ القانون المعمول به وبين الهرب مرّة أخرى الى اكثريّة لـ»حزب الله» الذي يسيطر على «التيّار الوطني الحر».
كانت موافقة حكومة سعد الحريري على قانون الانتخابات الاخير خطأ كبيرا، في حينه. في أساس هذا الخطأ الاعتقاد ان رئيس الجمهوريّة سيلعب دور «بيضة القبّان» بين مختلف الاطراف اللبنانية. كان هناك متسّع من الوقت، منذ انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية في 31 تشرين الاوّل – أكتوبر 2016، لاكتشاف انّه غير مستعد للعب دور «بيضة القبّان» وأن حقده على إرث رفيق الحريري لا حدود له… وانّه يعتقد ان سلاح «حزب الله» سيعيد ما يسمّيه «حقوق المسيحيين» التي انتزعها منهم اتفاق الطائف.
ما الذي يمكن توقّعه من عهد اسير فكرة، او على الاصحّ وهم، انّ «حزب الله» سيوصل جبران باسيل الى موقع رئيس الجمهوريّة كما فعل مع ميشال عون؟ ما يمكن توقّعه هو هروب الى انتخابات اشتراعية لن تقدّم ولن تؤخر والى التظاهر بأن تحقيقا جدّيا يجري من اجل كشف الحقيقة في تفجير مرفأ بيروت. لا معنى لأيّ انتخابات في ظل القانون الحالي ولا معنى لأيّ تحقيق يتجاهل الجهة التي أدخلت كمّية النيترات الى مرفأ بيروت وخزنتها في احد عنابره وكانت تنقل قسما من المواد المخزّنة الى جهة مجهولة بين حين وآخر.
من هذا المنطلق، يبدو الربط ضروريا بين الانتخابات والنيترات، لا لشيء سوى لأن الانتخابات ستكرّس وجود اكثريّة تابعة لـ»حزب الله»، أي لإيران في مجلس النوّاب اللبناني. امّا التحقيق في تفجير مرفأ بيروت، فسيبقى في اطار محدّد يتفادى الحقيقة والواقع. معنى ذلك تفادي أي إشارة الى ان لبنان انتقل في العام 2005 من الوصاية السوريّة – الايرانية الى الوصاية الايرانيّة. لو لم يكن الامر كذلك، لما كانت الحدود اللبنانيّة – السورية زالت عمليا من الوجود منذ كشف «حزب الله» علنا انّه يقاتل في سوريا وإن قواته تدخل اليها وتخرج منها ساعة تشاء وكيفما تشاء.
المحزن ان «عهد حزب الله»، استطاع اخذ بعض اللبنانيين الى المكان الخطأ، أي الى موضوع رفع الحصانات عن شخصيّات معيّنة، في حين انّ كارثة تفجير المرفأ في مكان آخر. اسم هذا المكان الاحتلال الإيراني للبنان ولا شيء آخر. كلّ ما تبقّى هروب من الحقيقة وغرق في التفاصيل التي لا معنى لها… تفاديا لسؤال لماذا لا تحقيق دوليا في جريمة المرفأ؟!