سجلت العدالة الدولية في الأيام العشرة الأخيرة تقدما بالغ الأهمية. فبعد أن عجز مجلس الأمن الدولي عن اصدار قرار بوقف إطلاق النار في غزة بسبب استعمال العضو الأميركي حق النقض أو الفيتو. اقامت حكومة جنوب أفريقيا دعوى لدى محكمة العدل الدولية من أجل إدانة إسرائيل ومنعها من ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.
اكتفت محكمة العدل الدولية بإدانة إسرائيل بالإبادة الجماعية واتهمتها بأنها تمارس إرهاب الدولة. لكن المحكمة لم تقرر وقف إطلاق النار أو ما يوازيه من ناحية النتائج المرجوة ربما لأنها وجدت أن مثل هذا القرار ليس من صلاحيتها وإنما من صلاحية مجلس الأمن الدولي.
وبعد فترة وجيزة طلبت حكومة جنوب أفريقيا من محكمة العدل الدولية إتخاذ قرارات بنفس الإتجاه يختص بالأعمال العسكرية في رفح التي لجأ اليها الفلسطينيون النازحون اليها من غزة ومحاولة إرغامهم على ترك أماكنهم والإنتقال الى مكان آخر. لكن المحكمة لم تتخذ قرارا مستقلا واعتبرت أن القرار الصادر بخصوص غزة ينطبق على رفح.
وعندما حان وقت صدور القرار أخذت محكمة العدل الدولية قرارا تاريخيا أمرت فيه بانسحاب الجيش الإسرائيلي من معبر رفح وإعادة تشغيله بإعتباره فلسطينيا مصريا خالصا وأضافت أن حاجات الشعب الفلسطيني توجب فتح كل المعابر بما فيها معبر رفح.
بيد أن أهم ما ورد في القرار هو قول المحكمة أنه يتعين على إسرائيل أن توقف على الفور الهجوم العسكري أو أي أعمال أخرى (وقف إطلاق النار) عن رفح يسبب الحظر المباشر عن الشعب الفلسطيني. ثم الزمت إسرائيل أن تقدم الى المحكمة خلال شهر تقريرا عن الخطوات التي تتخذها مع لفت نظرها الى أنها لم تلتزم بمثل هذا الموجب خلال حرب غزة.
اما الحدث الثاني المدوي فتمثل بالقرار الذي أصدره المدعي العام لدى محكمة العدل الدولية والمتضمن القاء القبض على إثنين من حكام إسرائيل وهما رئيس الحكومة ووزير دفاعه وذلك من أجل محاكمتهما عن الجرائم التي ارتكباها.
ان النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية يسمح للمدعي العام لديها طالما توفرت لديه ادلة كافية وشبهات قوية أن يصدر قرارات القاء قبض على المشتبه بهم. ووفقا للباب التاسع من النظام العام الأساسي للمحكمة يمنع صاحب العلاقة من حرية التجول والتنقل ويجوز استرداده من الدولة التي يوجد فيها وفقا للباب التاسع إياه. لأن هذه المذكرة سارية في جميع الدول الأعضاء وذلك بمجرد صدورها لكنها لا تصبح نافذة الا بعد مصادقة أعضاء المحكمة عليها في غضون أسبوع أو أسبوعين.
لكن هذين القرارين على اهميتهما تعاملت معهما الحكومة الإسرائيلية بإستهتار ذلك أن وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير اقترح ان يكون احتلال رفح هو الرد على هذين القرارين. أما زعيم المعارضة الإسرائيلية فاعتبرهما غير اخلاقيين ومثيران للإشمئزاز كما ورد في بيان وزارة الخارجية… بعكس ذلك لاقى هذان القراران ارتياحا دوليا عبرت عنه مثلا مؤسسة هيومن رايتس وتش قائلة ان امر محكمة العدل لوقف الهجوم على رفح يبرز خطورة الوضع.
من جهة أخرى فإن اصواتا معتدلة في اسرائيل مثل الكاتب جدعون ليفي يقول ان امام اسرائيل مخرجا واحدا (ولن تختاره) رغم انه الطريق الوحيد لتجنب السقوط في الهاوية التي تقف على حافتها الآن وهو ان تقول نعم للحكم الذي اصدرته المحكمة الدولية وإلا بقيت اسرائيل دولة «منبوذة». فيما اعتبرت صحف عالمية ان مقاطعة اسرائيل للقرار الدولي يعكس عقلية استعمارية ويزيد من عزلتها.
————–
* مدعي عام التمييز سابقاً