شكّل الرأي الاستشاري، الذي أصدرته «محكمة العدل الدُّولية»، بتاريخ 19 تموز/يوليو 2024، انتصاراً جديداً للقضية الفلسطينية.
صدر القرار عن الجهاز القضائي الرئيسي وأعلى منبرٍ قضائي دُولي يتبع الأُمم المُتحدة، في الجلسة التي عقدتها «محكمة العدل الدُّولية» في قصر السلام في لاهاي – هولندا، برئاسة القاضي الدُّكتور نواف سلام، وبتأييد 12 قاضياً من أصل 15، يُشكّلون هيئة المحكمة.
يأتي توقيت صدور القرار:
– كأول رد سريع على قرار «الكنيست» الإسرائيلي، برفض إقامة دولة فلسطينية، غربي نهر الأردن، للمرة الأولى في تاريخه (17 تموز/يوليو 2024).
– في لحظة هامة تمرّ بها القضية الفلسطينية، في ظل ما تتعرّض له من حرب إبادة دخلت يومها الـ290، حاصدة أكثر من 39500 شهيد، و10 آلاف مفقود، و95 ألف جريح، و14700 معتقل، وتدمير ما تجاوز 360 ألف وحدة سكنية، تُقدّر الإحصاءات أنها تحتاج إلى أكثر من 15 عاماً، لإزالة الرُّكام، ومثلها لعملية البناء، مع اضطرار أكثر من مليوني شخص للنُّزوح داخل قطاع غزة، بحثاً عن أماكن آمنة، لكن يتعرضون فيها للمجازر الإسرائيلية المُتعمّدة!
– بعد وضع الأُمم المُتحدة، الكيان الإسرائيلي، على «قائمة العار» (7 حزيران/يونيو 2024).
– قرار «محكمة العدل الدُّولية» بشأن شكوى جنوب إفريقيا ضد الكيان الإسرائيلي بجُرم حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، والدعوة الفورية لوقف الحرب (10 أيار/مايو 2024).
– طلب المُدعي العام لـ«المحكمة الجنائية الدُّولية» كريم خان، إصدار مُذكرة توقيف بحق رئيس حُكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو (11 أيار/مايو 2024).
– تصويت 143 دولة في الجمعية العامة للأُمم المُتحدة على قرار يدعم طلب فلسطين بالحُصول على العُضوية الكاملة في الأُمم المُتحدة، ويُوصي مجلس الأمن بإعادة النظر في الطلب (10 أيار/مايو 2024)، بعدما كانت فلسطين قد نالت عضوية دولة بصفة مُراقب في الأُمم المُتحدة (29 تشرين الثاني/نوفمبر 2012).
– تقدّم الجزائر بطلب إلى مجلس الأمن لرفع عُضوية فلسطين في الأُمم المُتحدة، الذي قُوبل باستخدام الولايات المُتحدة الأميركية حق النقض «الفيتو» (7 نيسان/إبريل 2024).
– تبنّي مجلس الأمن الدُّولي، مشروع قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار بين قُوات الاحتلال الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، بناءً لمُبادرة الرئيس الأميركي جو بايدن (10 حزيران/يونيو 2024).
– قبيل زيارة نتنياهو إلى الولايات المُتحدة الأميركية، وإلقاء كلمة أمام الكُونغرس الأميركي (24 تموز/يوليو 2024).
وإن كان قرار «محكمة العدل» غير مُلزم بشكل مُباشر، لكنه، يستند إلى القانون الدُّولي، الذي يُعتبر مُلزماً للدُّول كافة في علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي.
وهو ما يُمكن الاستفادة منه في حال مُصادقة الجمعية العامة للأُمم المُتحدة على الرأي الاستشاري، من خلال قرارات مُفصلة لها، مع وضع خارطة طريق لاتخاذ خُطوات عملية مطلوبة في مُنظمات دُولية، ومن قبل أعضاء الأُمم المُتحدة ومجلس الأمن، بعدم تعامُل الدُّول مع الاحتلال، ضمن العلاقات الثُّنائية معه، وكذلك عدم تعامُل الشركات في تلك الدُّول مع مُؤسسات الاحتلال العسكرية، الأمنية، التكنولوجية والمدنية.
جاء الرأي الاستشاري، الذي تضمن نُقطتين وتفصيلاً، بناءً لطلب الأُمم المُتحدة من «محكمة العدل الدُّولية» إصدار فتوى قانونية ورأي استشاري من «محكمة العدل الدُّولية»، «حول الآثار القانونية الناشئة عن انتهاك «إسرائيل» المُستمر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وعن احتلالها طويل الأمد للأراضي الفلسطينية المُحتلة مُنذ العام 1967، واستيطانها وضمها لها، بما في ذلك التدابير الرامية إلى تغيير التكوين الديمُوغرافي لمدينة القدس الشريف وطابعها ووضعها، وكيفية تأثير سياسيات «إسرائيل» ومُمارساتها على الوضع القانوني للاحتلال، والآثار القانونية المُترتبة على هذا الوضع بالنسبة لجميع الدُّول والأُمم المُتحدة» (30 كانون الأول/ديسمبر 2022).
وذلك بعدما اعتمدته اللجنة الرابعة في الجمعية العامة (اللجنة الخاصة للمسائل السياسية وإنهاء الاستعمار)، (11 تشرين الثاني/نوفمبر 2022)، في ضوء المشروع الذي قدمته دولة فلسطين.
يُعتبر الرأي الاستشاري قيمة قانونية هامة، برفض استمرار الاحتلال، وداعماً لموقف الدُّول التي تُصوّت باستمرار مع الحق الفلسطيني بإقامة الدولة، وإحراجاً للولايات المُتحدة الأميركية، الداعمة للكيان الإسرائيلي، التي تُعلن تأييدها لرفض الاستيطان، ومع قيام دولة فلسطينية على حُدود 4 حزيران/يونيو 1967، لكنها ترى أنه «يُمكن أن يتعارض مع الإطار الخاص لحل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني».
لهذا، يبقى الكيان الإسرائيلي هو الوحيد الذي يُعارض إقامة الدولة الفلسطينية، مُعتبراً أن الضفة الغربية هي «يهودا والسامرة» والقُدس المُوحدة، عاصمة الدولة اليهودية، وإقرار قانون القومية اليهودي (19 تموز/يوليو 2018).
أيضاً، يُعتبر قرار «محكمة العدل الدُّولية» رسالة إلى المُجتمع الدُّولي لتحميل الاحتلال المسؤولية القانونية عن استمراره بأطول فترة احتلال في العالم.
ويفتح المجال أمام تطبيق القرارات الدولية العديدة التي تقر بحق الشعب الفلسطيني وتقرير مصيره، وفي الطليعة قرار التقسيم 181 (29 تشرين الثاني/نوفمبر 1947)، الذي نُفذ منه الجزء المُتعلق بقيام الكيان الإسرائيلي فيما لم يُنفذ ما يتعلق بإقامة الدولة الفلسطينية، والقرار 194 (11 كانون الأول/ديسمبر 1948)، الذي ينص على عودة اللاجئين الفلسطينيين بما يُثبت أن القضية الفلسطينية سياسية وليست إنسانية!
وقد جاء تحقيق هذا الإنجاز، ثمرة جُهود سياسية ودبلُوماسية، لوقت طويل، بقيادة رئيس دولة فلسطين محمود عباس، حيث أعطت الاتصالات ثماراً تراكمية، وهو ما يُمكن البناء عليه، بتنسيقٍ مع الدول العربية والأصدقاء في العالم، لأن قرارات «محكمة العدل الدولية» لا يتم تنفيذها إلّا من خلال الأُمم المُتحدة وبالقوة العسكرية، المُستحيلة في ظل «الفيتو» الأميركي، فتبقى الضغوطات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية، مع الإدراك أن العالم يتأثر بالمصالح السياسية!
لذلك، فإن المطلوب في هذه المرحلة، بأكثر من أي وقت مضى، تعزيز الوحدة الداخلية الفلسطينية، خاصة أن 14 فصيلاً فلسطينياً، في طليعتهم حركتي «فتح» و«حماس»، يلتقون في العاصمة الصينية، بكين، من أجل الحوار وإنهاء الانقسام، وتحقيقاً للوحدة الداخلية، التي يجب أن تُكرّس قراراتها تنفيذاً على أرض الواقع، وليس أن تبقى من دون تنفيذ، وتذرّع البعض بحجج، يستفيد منها الاحتلال الإسرائيلي، الذي يُراهن على الانقسام، بل يعمل على تعزيزه!