Site icon IMLebanon

من لاهاي إلى مبادرات الغرب للتهدئة: إستنقاذ إسرائيل من نفسها

 

 

بدأت محكمة العدل الدولية في لاهاي أمس، إجراءات النظر بالدعوى التي قدّمتها جنوب إفريقيا ضدّ الكيان الاسرائيلي، بتهمة ارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، وللمفارقة الغريبة والمستهجنة، بغياب أي حركة عربية في هذا الاتجاه.

وكان الملفت في الموضوع، مسارعة المحكمة خلافاً للعادة، الى تلبية الدعوى وتحديد مواعيد لجلسات الاستماع للمدّعين وللمدّعى عليها، تمهيداً لصدور القرار او الحكم النهائي عن المحكمة نهاية الشهر الجاري على أبعد تقدير. والمتوقع حسب تقارير المختصين الحقوقيين، ان يكون حكماً مُلزماً بوقف الحرب الاسرائيلية في غزة بشكل نهائي. وهو ما اشارت اليه ايضاً قبل ايام هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، حيث قالت «إنّ تل أبيب متخوفة من أن تُصدر محكمة العدل الدولية، قراراً بوقف الأعمال القتالية في قطاع غزة». وفي هذا الشأن تقول صحيفة «الغارديان» البريطانية، إنّ طلب جنوب إفريقيا إصدار حكم مؤقت بالدعوى يتماشى مع الاتجاه الأوسع في محكمة العدل الدولية لمثل هذه الأحكام. فيما تقول وكالة «أسوشيتد برس» الأميركية، «إنّ الأوامر المؤقتة ستكون سارية أثناء نظر القضية برمتها، وفي حين إنّها مُلزمة قانوناً ولكن لا يعني ذلك التزام الأطراف بها».

وما حدث يوم امس في لاهاي حسب المتابعين المختصين في دول العالم، هو خطوة في مسار طويل، حيث ستنظر هيئة المحكمة المكونة من 15 قاضياً، في اتهام إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة، وتحديد مواعيد بدء المحاكمة وكذلك مواعيد البت في التدابير المؤقتة (الطارئة) التي طلبتها جنوب إفريقيا من أجل حماية الفلسطينيين في غزة، بما في ذلك وقف العمليات العسكرية والسماح بعودة النازحين قسرياً وإدخال المساعدات الإنسانية فوراً.
وحسب التقارير الدولية الإعلامية، «برغم أنّ أحكام محكمة العدل الدولية نهائية وغير قابلة للطعن، لكن لا توجد أي وسيلة لتنفيذها أو الإلزام باحترامها، لكن من شأن صدور حكم ضدّ إسرائيل أن يشكّل سابقة قانونية وأن يعمّق عزلة إسرائيل ويضرّ بسمعتها دولياً».

وبغض النظر عمّا يمكن ان تكون عليه نهاية المحاكمة، فإنّ مجرد انعقادها يعني ممارسة مزيد من الضغط السياسي والقانوني على الكيان الاسرائيلي لوقف ارتكاباته الفظيعة في غزة، والتي أحرجت المجتمع الدولي نظراً لسكوته الطويل عنها، بل تغطية بعض الممارسات العدوانية الشنيعة، ما دفع الرأي العام الغربي ومنظمات حقوق الانسان الى التحرّك في عواصم العالم لوقف هذه الإبادة الممنهجة للشعب الفلسطيني.

وبرغم ذلك، ما زال بعض دول الغرب يسعى لاستنقاذ اسرائيل من نفسها، عبر مبادرات الموفدين الاميركيين والاوروبيين، وبالتوازي مع المساعي والوساطات العربية لوقف المذابح الجارية، سواءً عبر مبادرات للتوصل الى اتفاق حول تبادل الأسرى والمعتقلين بين الفصائل الفلسطينية واسرائيل مقابل وقف الحرب، او عبر تهدئة جبهة الجنوب اللبناني لمنع تمدّد الحرب بشكل اوسع الى دول المنطقة من شرق البحر المتوسط الى الخليج. ذلك انّ الاندفاعة الهمجية الاسرائيلية أربكت حلفاءها وشغلتهم عن امور اخرى مهمّة من جهة، وأقلقت العالم كله نتيجة توسّع المواجهات العسكرية في دول اخرى ضدّ المصالح الاقتصادية والتجارية الغربية والاسرائيلية.

ولعلّ مبادرة الادارة الاميركية منذ نحو شهر واكثر الى إيفاد وزير خارجيتها انتوني بلينكن لزيارة الكيان الاسرائيلي اربع مرات، وكبير مستشاري الطاقة عاموس هوكشتاين في جولات مكوكية بين تل ابيب وبيروت وعواصم اوروبية، دليل على الاهتمام الدولي بكبح جماح اسرائيل التي غيّرت بحربها وردّة فعلها غير المسبوقة على هجوم «حماس» في 7 تشرين الاول الماضي، كل الحسابات الدولية، وقلبت المعادلات في الحروب الاخرى الساخنة والباردة الدائرة في العالم، لا سيما في اوكرانيا، وبين اميركا والصين، وبين ايران ودول الغرب.

ولعلّ محاولات الغرب لاستنقاذ اسرائيل من نفسها، هدفها منع انهيارها الكامل، ومنع إلغاء دورها في المنطقة، وفي إبقائها قوة عسكرية مُهابة تساهم في تحقيق مصالح الغرب عموماً.
وحتى الآن يبدو انّ كل الضغوط على اسرائيل لم تُجدِ نفعاً في وقف اندفاعتها العسكرية المجنونة، ولو انّها قرّرت الانتقال الى ما تصفه «المرحلة الثالثة من الحرب» بتخفيف القصف الجوي التدميري العشوائي لقطاع غزة والتركيز على تقليص القدرة القتالية للفصائل الفلسطينية. وهو ما انعكس تلقائياً على جبهة الجنوب بتخفيف حدّة الاعتداءات على القرى خلال اليومين الماضيين، لكن ايضاً بمواصلة التركيز على «استهدافات نوعية» ضدّ قيادات وعناصر المقاومة الميدانيين، علّها بذلك تُخفّف من ردود المقاومة التي تقوم ايضاً «بإستهدافات نوعية» مؤثرة جداً على مواقع وقواعد وتجمعات وثكنات عسكرية وبعض المستوطنات الاسرائيلية.