Site icon IMLebanon

ما لا يعرفه العالم عن محكمة العدل الدولية  

 

 

كتب عوني الكعكي:

 

محكمة العدل الدولية، هي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، وتتولى النزاعات القانونية التي تنشأ بين الدول، وتقديم آراء استشارية بشأن المسائل القانونية التي قد تحيلها إليها أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصّصة.

 

يقع مقرّها في لاهاي بهولندا… وهي الجهاز الوحيد من بين أجهزة الأمم المتحدة الذي لا يقع في نيويورك. تأسّست عام 1945، وبدأت أعمالها في العام اللاحق، وهي حلّت محل المحكمة الدائمة للعدالة الدولية.

 

ولمحكمة العدل الدولية نشاط قضائي واسع… وهي تتألف من 15 قاضياً، تنتخبهم الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن لمدة 9 سنوات. ويمكن إعادة انتخاب الأعضاء… وينتخب ثلث الأعضاء كل 3 سنوات، ولا يُسمح بوجود قاضيين يحملان نفس الجنسية. وفي حال توفي أحد القضاة ينتخب قاضٍ بديل يحمل نفس الجنسية، ويشترط في هؤلاء القضاة أن يكونوا مستقلين من ذوي الصفات الخلقية العالية، الحائزين في بلادهم المؤهلات المطلوبة للتعيين في أرفع المناصب القضائية.

 

ويمكن عَزْل القاضي عن كرسيه، فقط بموجب تصويت سرّي يجريه أعضاء المحكمة.

 

ويجوز للقضاة أن يقدّموا حكماً مشتركاً أو أحكاماً مستقلة.

 

هذه المحكمة هي التي قدّمت إليها جنوب أفريقيا طلباً رسمياً في 29 كانون الأول (ديسمبر) 2023 متهمة إسرائيل بارتكاب أعمال إبادة جماعية في قطاع غزّة، بعد اندلاع الحرب الفلسطينية – الاسرائيلية، وسقوط آلاف الضحايا بسبب القصف الاسرائيلي، وأعمال التدمير الشامل، والتهجير القسري للفلسطينيين من بيوتهم. وقد دعمت جنوب أفريقيا دعواها ضد إسرائيل بأدلة ملموسة وبراهين دامغة. وقد تم خلال جلسة الاستماع الأولى، عرض صوَر لوكالة «الأناضول» من غزّة كأدلة ضد إسرائيل. وقد جذبت العروض المؤثرة التي قدّمها الفريق القانوني لجنوب أفريقيا انتباه العالم الى المحاكمة.

 

إلى ذلك، استمع قضاة المحكمة الى مرافعات جنوب أفريقيا، ثم الى مرافعة إسرائيل.

 

وشدّد الجانب القانوني لجنوب أفريقيا على وقف فوري للعمليات الاسرائيلية كحل وحيد لتفادي المزيد من الموت والدمار غير اللازم بين الفلسطينيين.

 

كما أكدت جنوب أفريقيا أنّ قطاع غزّة تحوّل الى معسكر اعتقال ترتكب فيه إبادة جماعية ظهرت في مطالبة أعضاء بالكنيست الاسرائيلي بمحو غزّة وتسويتها بالأرض.

 

وبعد مداولات واستماع لمرافعات عدّة، وبعد الاطلاع على الأدلة المقدّمة من جنوب أفريقيا، دعت محكمة العدل الدولية إسرائيل الى بذل المزيد من الجهود لمنع الأعمال التي يمكن أن تقع ضمن نطاق اتفاقية الإبادة الجماعية. لكنها لم تصل الى حدّ الدعوة الى وقف إطلاق النار. ولم تقدّم محكمة العدل الدولية حكماً بشأن ما إذا كانت تصرفات إسرائيل تشكل إبادة جماعية أم لا. وقد تستغرق هذه المداولات سنوات عدّة.

 

وفي حكم تاريخي، قرّرت المحكمة أنّ تصرفات إسرائيل في غزّة تعتبر إبادة جماعية، وأشارت الى تدابير موقتة على هذا الأساس. ودعت المحكمة إسرائيل الى بذل المزيد من الجهود لمنع الأعمال التي تقع ضمن الإبادة الجماعية.

 

إلى ذلك، قالت جنوب أفريقيا، إنّه من أجل الامتثال لحكم محكمة العدل الدولية، فإنّ وقف إطلاق النار في قطاع غزّة سيكون ضرورياً، مضيفة انها لم تشعر بخيبة الأمل لأنّ المحكمة لم تدرج ذلك في جلسة الاستماع.

 

وقالت وزيرة خارجية جنوب أفريقيا ناليدي باندور بعد جلسة المحكمة: «عند ممارسة أمر محكمة العدل الدولية يجب أن يكون هناك وقف لإطلاق النار. فبدونه لا يُنفّذ الأمر في الواقع».

 

كما اتصلت وزيرة خارجية جنوب أفريقيا بوزير خارجية أميركا أنتوني بلينكن وقالت له: «يوجد لدى إسرائيل أصدقاء أقوياء للغاية، وآمل أن يقدموا المشورة والنصح لإسرائيل».

 

ويتساءل المراقبون: لماذا استجابت محكمة العدل الدولية لكل طلبات جنوب أفريقيا ما عدا المطلب الأوّل والأهم؟ فقد أمرت المحكمة إسرائيل باتخاذ تدابير منع وقوع أعمال إبادة جماعية بحق الفلسطينيين، وتحسين الوضع الانساني في قطاع غزّة، لكن القرار لم يتضمن وقف إطلاق النار، ورئيسة المحكمة القاضية جوان دونوجو قالت: «نؤكد ولايتنا القضائية للبت في دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل».

 

ووفقاً لميثاق المحكمة، فإنّ القرارات التي تتخذها ملزمة للأطراف، لكنها ليست ملزمة لدول أخرى.

 

وتقوم المحكمة بإخطار المؤسّسات ذات الصلة في الأمم المتحدة بالقرارات التي تتخذها، وإذا لم تمتثل إسرائيل التي منحت شهراً لتنفيذ ما صدر عن المحكمة، فيمكن لجنوب أفريقيا عرض القضية على مجلس الأمن، وتطلب اتخاذ الاجراءات اللازمة لتنفيذ قرار المحكمة.

 

ونظراً لأنّ المحكمة ليس لديها قوة عسكرية خاصة بها أو هيئة لتنفيذ قراراتها، فإنّ تنفيذ هذه القرارات يخضع لتقدير مجلس الأمن، وهنا ستصطدم الدعوى بـ»ڤيتو» أميركي مؤكد.

 

إنّ الأهم في القرارات التي أصدرتها المحكمة، رغم انها لم تحكم بوقف فوري لإطلاق النار، هو إثبات الإبادة، وثبوت نيّة الإبادة الجماعية، إذ وبحسب الاتفاقية الدولية، فإنّ الإبادة الجماعية لا تعني أفعال القتل فحسب، بل اضطهاد جماعة وتجويعها وحرمانها من الخدمات الانسانية.

 

على أي حال، فإنّ جنوب أفريقيا نفسها وصفت قرار محكمة العدل الدولية بفرض إجراءات موقتة على إسرائيل بسبب أفعالها في غزّة بأنه انتصار حاسم لسيادة القانون الدولي، وعلامة بارزة في البحث عن العدالة للشعب الفلسطيني.

 

لقد اعترفت المحكمة علناً من خلال اعتبارها أنّ تصرفات إسرائيل في غزّة تعتبر إبادة جماعية، بأنّ جنوب أفريقيا كانت محقة في دعواها، وبأنّ الشعب الفلسطيني تعرّض ولا يزال لإبادة جماعية بالفعل.

 

وأكدت جنوب أفريقيا بعد القرار، وبصفتها الدولة صاحب الدعوى انها ستواصل العمل داخل المؤسّسات الدولية لحماية حقوق الفلسطينيين في غزّة في الحياة، والذين لا يزالون معرضين لخطر عاجل، بما في ذلك سبب الهجوم العسكري الاسرائيلي الوحشي، والمجاعة والمرض. وتأمل جنوب أفريقيا ألا تعمل إسرائيل على إفشال تطبيق هذا الأمر كما هدّدت بذلك علناً، ولكن ان تعمل بدلاً من ذلك على الامتثال له امتثالاً كاملاً كما هي مُلزمة بذلك.

 

ومما يؤكد أزمة إسرائيل لوجودها في محكمة العدل الدولية كمتهمة، نورد في ما يلي رسالة مثيرة للاهتمام أرسلها أحد المتواجدين في محكمة العدل الدولية الى أحد معارفه… فماذا قال فيها:

 

«أنا الآن في محكمة العدل الدولية برفقة زوجة أحد القضاة الـ17 الذين أصدروا حكمهم في قضية دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في لاهاي. زوجة القاضي التي ترافقني كانت سفيرة للأونيسكو في باريس، وهي كذلك صحافية مهتمة بالكتابة عن الصراع العربي – الاسرائيلي منذ 30 سنة.

 

قالت لي بعد صدور القرار: إنّ القرار الصادر عن محكمة العدل الدولية يتصف بالنجاح الباهر. رغم انه لا يتضمن وقفاً فورياً لإطلاق النار. فهذه هي المرّة الأولى التي تُقاد إسرائيل الى المحاكمة… وتهمة الإبادة الجماعية ثابتة عليها من خلال تصويت 16 قاضياً على القرار ومعارضة واحد فقط. بالنسبة لعدم ردّ الدعوى كما كانت تريد إسرائيل، كما حصل القرار نفسه على 15 صوتاً ومعارضة اثنين فقط.

 

القرار -تضيف زوجة القاضي- تاريخي لكن الاعلام الغربي استغل عدم اتخاذ قرار بوقف فوري للنار للتقليل من أهمية ما اتخذ من نصوص أخرى.

 

أقول: (تتابع الزوجة) من يدرس القانون يفهم لماذا لم يتم اتخاذ قرار بوقف إطلاق النار… السبب واضح جداً… فالحرب ليست بين دولتين وإنما هي بين محتلٍ وشعب يقاوم هذا الاحتلال ويعتدي عليه.

 

تضيف: أمس اتصلت بمسؤول فلسطيني من غزّة متواجد في لندن يشارك في أحد المؤتمرات… فقال لي: القرار ممتاز لأنه قرار تاريخي.

 

وختم الزوجة قائلة: إنّ الفلسطيني المتواجد في غزّة والذي وصف قرار المحكمة بالتاريخي… أنهى كلامه بنكتة طريفة جداً، إذ قال:

 

يمكن لإسرائيل الآن أن تتهم «حماس» بشقّ نفق يصل من غزّة إلى مكان «تحت محكمة العدل الدولية».