Site icon IMLebanon

الاحتلال الإسرائيلي تحت مطرقة «العدل الدولية»

 

 

ليس أكثر شعوراً للظلم ممَّنْ عانى منه، ليقوم بنصرة المظلوم.

هذا ما فعلته جنوب إفريقيا، التي عانت ظلم الاستعمار بالتمييز العنصري، قبل أنْ تنال الاستقلال.

 

لذلك، بادرت إلى رفع قضية أمام «محكمة العدل الدولية» ضد الكيان الإسرائيلي، على جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة والضفّة الغربية والقدس.

 

والمُطالبة بإصدار أمر عاجل إليه بالتعليق الفوري لعملياتها العسكرية في قطاع غزّة.

استهدافُ مُمنهج من الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين بارتكاب جرائم حرب، وضد الإنسانية، والتمييز العنصري، والإبادة الجماعية، غير المسبوقة في التاريخ، إلّا ببصمة العدو الإسرائيلي.

هذا يُثبِتُ همجية المُحتل التي قامت على ارتكاب المجازر والقتل والدمار والتهجير والتمييز العنصري، مُنذ ما قبل نكبة فلسطين في العام 1948، والمُتواصلة بالعدوان على قطاع غزّة، الذي طوى اليوم الثالث بعد المائة.

صبَّ العدو حقده على قطاع غزّة، بارتكاب أكثر من 2000 مجزرة، فاستشهد ما يفوق الـ24 ألف مدنيٍّ، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقدان أثر ما يتجاوز الـ10 آلاف مفقود، وأكثر من 60 ألف جريح، وإجبار ما يفوق المليوني فلسطيني على النزوح، وتدمير أكثر من 300 ألف وحدة سكنية على رؤوس الأهالي، واستهداف المُستشفيات والمؤسّسات والمراكز الصحية وتدميرها على المرضى والجرحى، والمدارس ومراكز الإيواء فوق رؤوس النازحين.

 

هذا فضلاً عن استهداف الطواقم الإعلامية، لمنع نقل الحقيقة.

كما لم تسلم الكنائس والمساجد وحتى مقابر الأموات، إضافة إلى فِرَق الإسعاف والدفاع المدني، للحؤول دون إنقاذ المُواطنين، وقطع الطريق على إيصال المُساعدات والغذاء والكساء والدواء إلى أكثر من 2.4 مليون مُواطن.

جاءت شكوى جنوب إفريقيا، لتُحدِثَ زلزالاً داخل الكيان الإسرائيلي، ترك تردّداته على العالم، نظراً إلى أهمية ذلك، وهو ما يحدث للمرّة الأولى مُنذ إنشاء الكيان الغاصب، بأنْ تُقاضيه دولة أمام «محكمة العدل الدولية» بجريمة الإبادة الجماعية، وفق المادة 9 من اتفاقية منع إبادة الجنس البشري، التي انضمَّتْ إليها جنوب إفريقيا، كما الكيان الإسرائيلي، في مُحاولة منه للاستفادة من مزاعم ارتكاب الإبادة بحق اليهود في الحرب العالمية الثانية!

لماذا رفعت جنوب إفريقيا القضية أمام «محكمة العدل الدولية» وليس «المحكمة الجنائية الدولية»؟

في لاهاي، لا تفصل بين «المحكمة الجنائية الدولية» و»محكمة العدل الدولية»، إلا مسافة أمتار قليلة جداً.

– الأولى: تُحاكِم الأشخاص على الجرائم التي ارتكبوها، وسبق أنْ تقدَّمَتْ فلسطين بأكثر من قضيّةٍ أمامها، لكن ما زالت تنتظر النظر فيها!

– الثانية: مُتخصّصة بالنظر في القضايا بين الدول.

لهذا، يحق لأي دولة موقِّعة على الاتفاقية، مُلاحقة دولة أخرى موقِّعة عليها، أمام «محكمة العدل الدولية».

ولأنّ الكيان الإسرائيلي انضم إلى اتفاقية منع إبادة الجنس البشري، فإنّ عليه قبول القضية، والالتزام بقرارات المحكمة.

بعد قبول «محكمة العدل الدولية» القضية بعقد جلسةٍ استماع لممثّلي الادعاء والمُدّعى عليه، يُمعِن القضاة في التمحيص بالأدلّة والوثائق لإصدار الحُكم، وهو بصيغة المُبرَم والمُلزِم قانوناً.

تجرّأت جنوب إفريقيا على رفع هذه القضية، رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها، والإغراءات والتهديدات الأميركية والإسرائيلية!

إلّا أنّها وقفت مع الحق الفلسطيني، وهي تُشاهد بأُمْ العين – كما العالم أجمع – جرائم الاحتلال المُتمادية، ولتُسجِّل سابقة تاريخية إنسانية وسياسية.

وتكمن أهمية ذلك في أنّ:

1- مَنْ قام بذلك، دولة مُحايدة، هي جنوب إفريقيا، التي لا ترتبط بمصالح أو حدود برية أو بحرية مع الكيان الإسرائيلي، ولم تُقدِّم الدعوى السلطة الفلسطينية أو دولة عربية، قد تُعتَبر طرفاً في النزاع العربي – الإسرائيلي.

2- الحجم الكبير للمجازر التي ارتكبها الاحتلال، مُستهدِفاً بشكل خاص الأطفال والنساء.

3- تغيّر الموقف الدولي، الذي شاهد بأُمْ العين العدوان الإسرائيلي، الهادف إلى تصفية القضيّة الفلسطينية، والعمل على إبادة وتهجير الفلسطينيين من داخل الأراضي الفلسطينية، وشطب حق عودة اللاجئين.

وثّقت جنوب إفريقيا عبر القضية، أنَّ ما يقوم به الكيان الإسرائيلي يهدف إلى تدمير جزءٍ كبيرٍ من الجماعة الوطنية والعرقية والإثنية الفلسطينية، من خلال الإبادة بارتكاب مجازر، ومنع الحصول على مُساعداتٍ إنسانيةٍ مُناسبةٍ، وهو ما يُؤدّي إلى المجاعة.

تُطالب المحكمة بإصدار أوامر قضائية عاجلة، تتعلّق بوقف العدوان الإسرائيلي، وضمان عدم ارتكاب الإبادة الجماعية، بل ومنعها، والمُعاقَبة عليها، وتقديم تقارير بشكلٍ مُنظَّم إلى «العدل الدولية».

كذلك دفع تعويضات لأهالي قطاع غزّة والضفّة الغربية والقدس، والفلسطينيين عن الجرائم والخسائر التي لحقت بهم جرّاء العدوان الإسرائيلي، وإعادة إعمار غزّة، وعودة النازحين الفلسطينيين.

أيضاً حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وفق القرار الدولي 194، لأنّهم تعرّضوا إلى اضطهادٍ واقتلاعٍ وتمييزٍ عنصري.

لقد تمكّنت جنوب إفريقيا من تضمين القضية الواقعة في 84 صفحة، أدلّة ووثائق وإثباتات عن جرائم الاحتلال، وتقدّمت بها إلى المحكمة، التي قبلتها بتاريخ 29 كانون الأول/ديسمبر 2023، وباشرت عقد أولى جلساتها، بشكل سريعٍ يومَيْ 11-12 كانون الثاني/يناير 2024.

أمام 15 قاضياً في أعلى هيئة قضائية في العالم تتبع الأُمم المُتّحدة، وقفت جنوب إفريقيا لتقديم مُرافعتها، ليظهر بشكل واضح حجم الجهد الذي بذلته، لتدعيم الملف.

بينما في المُرافعة عن المُدّعى عليه، الكيان الإسرائيلي، ظهرت هزالة موقفه!

ستبقى الأنظار شاخصة إلى «محكمة العدل الدولية»، بعدما وُضِعَ الكيان الإسرائيلي تحت مطرقتها وبانتظار قرارها بشأن هذه القضية، التي يجب أنْ يصدر فيها حكمٌ، وهي مُغايرة عن الرأي الاستشاري غير المُلزِم الذي صدر لصالح فلسطين، بتاريخ 9 تموز/يوليو 2004، بعدم قانونية جدار الفصل العنصري الذي أنشأه الاحتلال، في الأراضي الفلسطينية المُحتلة.

كما تنظر المحكمة بشأن طلب الجمعية العامة للأُمم المُتّحدة، بناءً للطلب الفلسطيني، لإصدار رأي استشاري يُحدّد التبعات القانونية الناشئة عن انتهاك الاحتلال الإسرائيلي المُستمر بحق الشعب الفلسطيني، في تقرير المصير، والاحتلال طويل الأمد، والاستيطان، وضم الأراضي، واعتمادها تشريعاتٍ وإجراءات تمييزية.

قرار المحكمة مُلزم، لكن لا تملك سلطة لفرض الأحكام، إنّما سيكون له تأثير كبيرٌ ومُهمٌّ جدّاً على الكيان الإسرائيلي.

يبقى أنّ الولايات المُتّحدة الأميركية «الحامي والمدافع الأوّل» عن الإسرائيلي أمام اختبار جديد، وإذا كانت ستستخدم حق النقض «الفيتو» في حال وصول أي قرار إلى «مجلس الأمن الدولي»!

تحرّك العالم بفعل صمود الشعب الفلسطيني، والتحرّك المكوكي السياسي والدبلوماسي الذي يقوده رئيس دولة فلسطين محمود عباس، لتوضيح حقيقة الرواية الفلسطينية بمُواجهة زيف ادّعاءات المُحتل.