تصاعَد منسوب القلق لدى العواصم الغربية، وخصوصاً لدى واشنطن، حيالَ تطوّر الأحداث في سوريا. وبدا واضحاً أنّ الحكومة الإسرائيلية تحاول رفعَ منسوب الفوضى لدرجةٍ عالية لتحقيقِ مصالحِها ورؤيتها الخاصة للمنطقة، والقائمة على أساس تفكيكِ الدوَل إلى كيانات مذهبية متناحرة من خلال قيام دويلات مستقلّة.
ولا أحد ينكِر الطموحَ الأميركي بإبقاء المنطقة مشتعلة، شرط حصرِ اللهيب في إطار مضبوط يَسمح لواشنطن بإدارة اللعبة عن بُعد.
ولا حاجة للتذكير بأنّه ومع التوقيع على الاتفاق – الإطار بين واشنطن وطهران راجَت التوَقّعات حول أشهر ستكون صعبة جداً على المنطقة، ستستمرّ إلى حين التوقيع على الاتّفاق النهائي، والهدف من ذلك التقاط أوراق ميدانية جديدة لدى البعض، وترويض أطراف أخرى، ما يَسمح فور التوقيع على الاتّفاق النهائي بالدخول في مفاوضات سياسية حول تسويات سياسية على قاعدة إشراك الجميع في التصَوّر الجديد لدوَل المنطقة، ولكن تحت سقف الاتّفاق الأميركي – الإيراني. وبكلام أوضح أن تكون إيران جزءاً مِن الحلّ في الشرق الأوسط، ولكن مع حفظِ مقاعد للجميع.
وربّما وِفقَ هذا المبدأ سُمِح لـ»داعش» بالاستيلاء على الرمادي وتصاعَد الضغط على الرئيس السوري الذي تلقّى ضرباتٍ قويّة، كان أقساها على الإطلاق سقوط جسر الشغور بصواريخ التاو الأميركية الصنع.
وفي وقتٍ أصبحَ فيه الوقت داهماً للتوقيع على الاتّفاق النهائي تحرّكَت المفاوضات حول اليمن. صحيح أنّ مؤتمر جنيف لم يؤَدِّ إلى نتائج ملموسة، لكنّه شِكّلَ بدايةً صعبة لمسار تفاوضيّ متعرّج سيَجري تعميمُه على سائر الساحات الملتهبة.
لكنّ الدخولَ في المسار التفاوضي لا يُلغي وجوبَ استمرار الحماوة، فهذا لا يناقض ذلك، لا بل يساعده في أحيان كثيرة.
المهِمّ أنّ الدخول الاسرائيلي على خط الصراع في سوريا مِن زاوية تعاكس مصالح الولايات المتحدة الاميركية دفعَ أكثر في اتّجاه إعادة الرقابة الأميركية الصارمة لمسار التطوّرات العسكرية.
ولم يعُد سرّاً أنّ واشنطن تحَبّذ المحافظة على تركيبةِ النظام السوري العسكري والأمني، من جهةٍ لعدمِ إثارة إيران وتهديد مصالحِها، ومِن جهةٍ أخرى انسجاماً مع درس العراق وخطأ حلّ الجيش العراقي.
لكنّ ذلك لا يلغي مبدأ الضغط على الرئيس السوري لإرغامه على الدخول في التسوية السياسية كجزء من الحلّ وفقَ ما قاله وزير الخارجية الاميركي جون كيري قبَيل التوقيع على الاتفاق الإطار في تصريحِه المثير للجَدل.
وتكشف الأوساط الديبلوماسية المطّلعة عن اتّصالات مكثَّفة تَجري بين واشنطن وموسكو وتَطال في بعض جوانبها القاهرة والرياض، وتتمحوَر حول وضعِ تصَوّرِِ جدّي لدفع الوضع في سوريا باتّجاه المفاوضات ولإنجاز ترتيبات في لبنان تسمَح بإنهاء الأزمة الرئاسية التي باتت تهَدّد استقرارَه وسط المخاطر الأمنية.
وهذا ما يفَسّر التسريبات الصادرة عن الدبلوماسي الروسي العتيق والخبير ميخائيل بوغدانوف إضافةً إلى كلام الرئيس الروسي الواضح حول التمسّك بالأسد، ولكن مع الإشارة إلى المخاطر المستجدّة على الساحة السورية والتي تهَدّد بانزلاق الوضع إلى ما يشبه الساحة الليبية.
ووفقَ القراءة نفسِها أعلن عن زيارة الملك السعودي في الخريف المقبل إلى مسكو، حيث من المفترض أن تطال المحادثات جوانبَ حساسة ومصالحَ البلدَين.
وانطلاقاً مِن الزاوية نفسِها يتحضّر الدبلوماسي الفرنسي فرنسوا جيرو لزيارة طهران تزامُناً مع التوقيع على الاتّفاق النهائي حول الملف النووي.
وفيما القلقُ الدوليّ يتصاعد حول نوايا إسرائيل في الجنوب السوري وصولاً إلى الجنوب اللبناني، وسعي الأكراد لانتزاع دولة مستقلة ومحاولات داعش للوصول الى شمال لبنان فالمنفَذ البحري انطلاقاً مِن اختراق حمص، برَز تهديدٌ آخر في الداخل اللبناني، وتحديداً في المخيّمات الفلسطينية؛ فاشتباكات عين الحلوة الأخيرة أظهرَت نموّاً سريعاً للتيارات الإسلامية المتحالفة مع داعش، والأخطر أنّ حركة فتح بدَت مستسلمةً، لا بل إنّ القوّة الأمنية المشترَكة والتي نزلت لفَضّ الاشتباكات انقسمَت على نفسِها وتعاطفَ قسمٌ منها مع الإسلاميين.
وفي حال لم تنجَح قيادة فتح في إعادة تنظيم نفسِها، فإنّ المخيَم سيُصبح تحت سيطرة التنظيمات الإسلامية، ما يَفتح بابَ الاحتمالات واسعاً في الجنوب، خصوصاً في ظلّ التداخل الحاصل ما بين مخيّم عين الحلوة ومحيطه.
في الخلاصة، فإنّ الحركة الخارجية تُرَكّز على توزيع الأدوار، وعلى إيلاء روسيا دوراً أساسياً بالتنسيق الكامل مع واشنطن التي اختارت على ما يَبدو كاندس بوتنم Candece Putnam كسفيرةٍ لها في لبنان. وتمتاز بوتنم بأنّها تعرف لبنان جيّداً بعد أن خدمَت فيه كرئيسةٍ لمكتب العلاقات العامّة ثم كقائمة بالأعمال قبل أن تنتقل إلى مصر. ومِن المفترَض أن تصل إلى لبنان نهاية الصيف في حال وافقَ الكونغرس على تعيينها.