«جايي» صندوق النّقد الدّولي «جايي» الأسبوع المقبل بحسب ما أعلن المتحدّث باسمه جيري رايس بأنّ وفداً منه سيبدأ الأسبوع المقبل مشاوراته مع السّلطات اللبنانيّة، والسّؤال الذي يطرح نفسه هنا أيّ سلطات هذه التي ستفاوض الصندوق ما دام حزب الله مختبئاً في عبّها، إذ لن يجرؤ لا رئيس البلاد ولا رئيس الحكومة حسان دياب ببتّ حرف واحد مع الصندوق من دون أن يرجع إلى «حيطان» حزب الله ليتّخذ المرشد الأعلى للجمهوريّة حسن نصرالله القرار الفصل!
عندما أقرّت الحكومة اللبنانية في 30 نيسان الماضي خطّة قيل إنّها لإنقاذ اقتصاد لبنان ووصَفَ «يوم» إقرارهذه الخطّة على لسان رئيس الجمهوريّة ميشال عون بـ»التاريخي»، كلّ شي عظيم وتاريخي وقوي عند هذا العهد، الذي يقف منتصباً فيما كلّ شيء في البلد ينهار من حوله من دون أن ينبس ببنت شفة، ففي زمن «العهد القوي» خسر لبنان كلّ أشقائه العرب وكلّ أصدقائه الدوليّين، وأصبح تابعاً ذليلاً لمحور الوليّ الفقيه ساقطاً في القبضة الإيرانية بفضل حزب الله الذي يجرّه إلى الخراب والهاوية، ولا يزال!
يُريد حزب الله أن يحلّ صندوق النّقد الدّولي مشاكل لبنان الإقتصادية ويقدّم له قروضاً غير مشروطة، ويريد حزب الله الذي يرتدي قناع الدولة اللبنانيّة إقناع المجتمع الدوليّ بانتشال لبنان من حافّة الانهيار المالي وانتشال حزب الله وبيئته معه من الانهيار، بصراحة لا يقال في هذا التفكير البليد سوى «أريضة تأرضكن»! قد يكون من المناسب تذكير حزب الله بقصّة الرئيس جمال عبدالناصر وحكاية السدّ العالي مع هذا الصّندوق الذي قدّم لعبد النّاصر ولمصر شروطًا «تعجيزية» من بينها أن تتعهّد بعدم إبرام أي اتفاقات ماليّة أو قروض دون موافقة البنك الدولي، الّذي يحقّ له مراجعة ميزانيّة مصر، وأن تتعهّد مصر بتركيز تنميتها على مشروع السدّ العالي فقط، وتخصيص ثلث دخلها مدة 10 سنوات لهذا الغرض… وبالطبع لا بدّ لنا من لفت نظر القارىء أنّ حسن نصرالله ليس جمال عبد النّاصر!
هنا، على الذين يطلقون الكلام الكبير والأوصاف «الفخفخيّة» أن يراجعوا قليلاً ما كتب عن صندوق النّقد الدّولي، فليقرأوا كتاب جون بيركنز «إعترافات قاتل اقتصادي» الذي ترجم إلى ثلاثين لغة بما فيها اللغة العربيّة والتي صدر فيها بعنوان: «الاغتيال الإقتصادي للأمم» كتيب بيركنز عن صندون النّقد الدّولي أنّه «عادة ما يتمّ اتهامه بأنّه أحد أدوات الشركات العالميّة لبناء إمبراطوريّة تسيطر على اقتصاد العالم، وتهزم الدول، «ونهب وتدمير اقتصاد الدّول النامية»، ويوضح بيركنز أنه «على الدول التي توافق على شروط صندوق النقد أن تقبل مجموعة مفاهيم جديدة: تحرير التجارة، حقوق المستهلك، الخصخصة الكاملة للصحّة والتّعليم والمياه والكهرباء… ويقول بيركنز: «هناك طريقتان لاحتلال أو تفتيت أيّ بلد تريد أميركا السيطرة عليه وعلى ثرواته: الأولى بالقوّة أي باحتلاله، والثانية: بقتله اقتصادياً، أي بالخصخصة وإغراقه بالدّيون وبخضوعه للبنك الدولي، ويسيل اللّعاب الأميركي للاستيلاء على النّفط أينما وجد، والجلوس على آباره لنهبها، إمّا برشوة أصحابه أو بتخويفهم بإبعادهم عن كراسيهم، إذا ما حاولوا تأميمه، أو إبعاد أميركا عن منابعه».. ربّما على حزب الله وعلى دُمى هذه الدّولة التي تأتمر بأمره أن لا تتفاءل كثيراً لا بـ»اليوم التّاريخي» ولا بـ»الخطّة الإقتصاديّة»!
وللمناسبة، وفي نفس السياق، وصفت المسؤولة السّابقة في برنامج الأمم المتحدة للتنمية «إيزابيل غرامبرغ» السياسات التي يفرضها الصندوق على الدّول الأعضاء لا سيّما النّامية منها، والتّي تؤدي في أكثر الأحيان إلى ارتفاع لمعدّل البطالة، وانخفاض في القدرة الشرائيّة، وتبعيّة خاصة غذائيّة، ويضاف إليها تفكك للأنظمة الإنتاجيّة في العديد من الدول، ووصفت هذه الأمور بالجريمة، معتبرة أنّ صندوق النّقد الدوليّ ليس مشاركاً بها فقط، بل إنه المايسترو الذي يدير نظاماً شاملاً يسحب الأموال من الفقراء ليموّل إنفاق أقليّة غنيّة..
ومن ضمن الانتقادات الموجّهة أيضاً للصندوق سطوة الولايات المتحدة الأميركيّة على البنك وتحكّمها وقدرتها على إعطاء القرض من عدمه لأيّ دولة، فأميركا الدّولة الوحيدة التي تمتلك حقّ الفيتو من بين الدّول الأعضاء.. فهل أميركا التي تخنق لبنان بالعقوبات التي تفرضها على حزب الله، ستمنح لبنان وحزب الله قروضاً تفكّ عن رقبته مشنقة العقوبات؟!