Site icon IMLebanon

“النقاش ماشي والصرف ماشي”… والنتيجة معروفة

 

لا يبدو انّ المنظومة السياسية ستنجح في تجاوز قطوع معالجة الدعم، ومن المرجّح أن تستمرّ الأمور على حالها، وسيبقى «الصرف ماشي» على حاله، الى حين استنزاف آخر ما تبقّى من احتياطي بالعملات الاجنبية، بانتظار أعجوبة إلهية.

على غرار مختلف الاستحقاقات السياسية والمالية والمعيشية التي مرّت على لبنان، لن تتوصل المنظومة الحاكمة في الوقت المناسب الى قرار جدّي لرفع الدعم أو ترشيده، او وضع آلية واضحة لتوفير دعم مباشر للأسر الاكثر حاجة، بل ستطول الاجتماعات والاقتراحات والاعتراضات بالنهج نفسه المتّبع عند تأليف وتشكيل الحكومات، لدى مفاوضة صندوق النقد الدولي، لدى وضع خطة إنقاذ مالية اقتصادية، عندما جرى إقرار سلسلة الرتب والرواتب، لدى تعيين مسؤولين اداريين، وغيرها من الاستحقاقات التي واجهتها المنظومة بحلول «ترقيعية» مستوحاة من سياسة شراء الوقت التي تحترفها.

 

بين رفع الدعم بالكامل وتوزيع بطاقات تمويلية لكافة اللبنانيين، وبين ترشيد الدعم وتأمين بطاقات تموينية للأسر الاكثر حاجة، تكثر الاقتراحات والتحليلات والاعتراضات، في حين لا تتوفّر الاموال لتمويل أي من تلك الخيارات، من دون المسّ بما تبقّى من اموال المودعين او عبر طباعة العملة. أي خيار سيمكّن السلطة من شراء الفترة الاطول من الوقت بالكلفة الاقل؟

 

في هذا الاطار، اعرب مسؤول سابق في صندوق النقد الدولي، عن صدمته مما يحصل على صعيد النقاش الدائر حول الترشيد، معتبراً انّ السلطة لا تملك خيارات في هذا الموضوع في ظلّ فقدانها للعملة الاجنبية الكافية. واشار الى انّ الدولة اللبنانية لا تستطيع الاستدانة من اجل مواصلة الدعم، كما انّ احتياطي البنك المركزي لم يعد يخوّله مواصلة الدعم سوى لمدّة شهرين.

 

واعتبر انّه في ظلّ الوضع الراهن، لا يمكن الحديث عن ترشيد الدعم بل يجب رفعه بالكامل واعتماد الدعم الموجّه للأسر الأكثر حاجة، لأنّ الاستمرار بدعم السلع يعني الاستمرار بدعم الميسورين على حساب الفقراء. ورأى انّ لجوء الحكومة الى خيار ترشيد الدعم على السلع، مردّه لعدم قدرتها على الانتقال الى الدعم الموجّه للافراد، بسبب عدم وجود البنية التحتية اللازمة، أي شبكة الأمان الاجتماعي.

 

وشدّد على انّ الدعم من خلال سعر الصرف هو إجراء أدّى الى تعدّد اسعار الصرف في السوق وخلق تشوهات عدّة في الاقتصاد وساهم في هدر الاموال، من خلال عمليات الفساد والتلاعب بالفواتير او تهريب السلع او اعادة تصديرها، موضحاً انّه يجب ان يكون الدعم جزءاً من موازنة الدولة عبر تخصيص مبلغ معيّن بالموازنة بشكل سنوي للدعم.

 

وقال الخبير الدولي، انّ الطبقة الحاكمة أضاعت عاماً من الوقت منذ انتفاضة تشرين، وبدل وضع خطة شاملة يتمّ من ضمنها توجيه الدعم، اعتمدت تدبيراً خاصاً وبشكل عشوائي لدعم السلع، علماً انّها كانت على دراية بأنّ هذه الخطوة ستكون على حساب احتياطات البنك المركزي وخصوصاً المودعين، واصفاً تلك القرارات بالسياسية وليس الاقتصادية، مما يؤكّد انّ السلطة الحاكمة غير مؤهّلة لاتخاذ قرارات اقتصادية.

 

واشار الى انّ الدعم الاجمالي والعشوائي استُخدم لتهريب الاموال الى الخارج، والدليل على ذلك، تراجع احتياطات مصرف لبنان بعد اندلاع الثورة حوالى 14 مليار دولار، علماً انّ 5 مليارات منها فقط استُخدمت للدعم، «وهذا ما يفسّر عدم رغبة السلطة بإقرار قانون «الكابيتال كونترول» من اجل الاستمرار بتهريب اموال السياسيين واصحاب النفوذ الى الخارج».

 

وكرّر انّ لبنان لا يملك اليوم القدرة والامكانيات للاستمرار بالدعم الاجمالي، وتوجيهه بات ضرورة ملحّة «إلّا انّه للأسف ليس هناك بيانات وارقام دقيقة حول عدد المستفيدين من الدعم، من اجل تقدير كلفة الدعم الموجّه، بسبب عدم توفر شبكة امان اجتماعي».

 

وسأل: «كيف تنوي السلطة الحاكمة تمويل الدعم الموجّه بعد نفاد احتياطي مصرف لبنان المتبقي (650 مليون دولار)؟».

 

وذكّر بأنّ الاعتراضات على برنامج صندوق النقد الدولي كانت في السابق بسبب توجّهه لرفع الدعم، «علماً انّ الصندوق لا يعمد الى رفع الدعم بل الى توجيهه، ولو تمّ التوصل الى اتفاق معه، لما كانت احتياطات مصرف لبنان قد هُدرت على غرار ما حصل».

 

وشدّد الخبير الدولي على انّ لبنان لا يملك في نهاية المطاف سوى خيار ومخرج اللجوء الى صندوق النقد الدولي، «ولكن موقف لبنان سيكون هذه المرّة أضعف بكثير مما كان عليه في آذار ونيسان الماضيين»، محذّراً من انّ برامج صندوق النقد الدولي ليست عصا سحرية، ولا يمكن ان تنجح من دون وجود توافق سياسي على عملية الاصلاح، «كلّما تأخّر لبنان باللجوء الى الصندوق كلّما زاد الفقر وكلّما تفاقمت صعوبة الخروج من الأزمة».