Site icon IMLebanon

“الصندوق” ليس في “الجيبة”… مهما بلغت المزايدات العلنية

 

مسار الإصلاحات لجذب المساعدات طويل ومعقّد ويتطلّب توافقاً سياسياً

 

 

لم تخلُ مواقف الرئيس نجيب ميقاتي منذ تكليفه تشكيل الحكومة من الاشارة إلى حتمية التواصل مع “صندوق النقد الدولي” بعد نيل الثقة، كمدخل إلزامي لحل الأزمة الاقتصادية. النية الايجابية المدعّمة بفريق عمل له باع بالعمل مع المؤسسات الدولية بشكل عام و”الصندوق” بشكل خاص، مفروض عليها السير فوق حقل مليء بالألغام. ولتفادي الانفجارات، لا يكفي الحكومة الجديدة تجنب المسار الذي سلكته سابقتها، إنما عليها تنظيف الساحة قبل العبور، للوصول إلى بر الأمان.

 

تجربة التفاوض مع صندوق النقد الدولي في الحكومة الماضية التي امتدت من منتصف أيار 2020 ولغاية 17 تموز من العام نفسه لم تكن مشجعة شكلاً ومضموناً. ففي الشكل كان للبنان فريقان غير منسجمان، الأول يمثل الحكومة والاستشاري “لازارد”، والثاني مصرف لبنان ومن خلفه المصارف ولجنة المال والموازنة النيابية. أما في المضمون فقد حفلت جلسات التفاوض السبع عشرة برؤية مشتتة، وأرقام متناقضة، ووجهات نظر مختلفة من الجانب اللبناني. ولم يتفق فريق التفاوض على نقطة الانطلاق الأساسية المتعلقة بحجم الخسائر وكيفية توزيعها. فمن بعد ما قدرتها “خطة التعافي” بـ241 ألف مليار ليرة محملة إياها للمصرف المركزي والمصارف التجارية، أعلنت لجنة المال أن الخسائر تتراوح بين 81 و150 ألف مليار ليرة كحد أقصى.

 

عقدة الاتفاق على حجم الخسائر

 

قطار المفاوضات سينطلق في الأيام المقبلة من محطة متراجعة جداً عن العام 2020. فالمؤشرات الاقتصادية شهدت انخفاضاً حاداً مع مطلع العام 2021. حيث تراجع سعر صرف الليرة من حدود 8000 ليرة إلى 20 ألفاً، وأصبح هناك 8 أسعار صرف بدلاً من 3. أما الناتج المحلي الاجمالي فمن المتوقع أن يلامس 22 مليار دولار هذا العام متراجعاً من 33.3 ملياراً في العام 2020. كما ان احتياطي العملات الاجنبية انخفض من حدود 32 مليار دولار إلى 14 ملياراً. هذه الخسائر تفترض بحسب خبير متابع لمسار التفاوض مع صندوق النقد الدولي في الفترة الماضية “ارتفاع نسبة الاقتطاع من سندات الدين بالعملة الاجنبية يوروبوندز وسندات الخزينة بالليرة. ما يعني أن حجم الخسائر سيتخطى رقم 241 ألف مليار ليرة الذي انطلقت منه الحكومة الماضية. وذلك على الرغم من افتراض تراجع خسارة المصارف سبب تكوينها مؤونات أكبر بالليرة وزيادة سيولتها بالعملة الاجنبية. وبما أن هذه الحكومة هي “حكومة مصرف لبنان” فمن المتوقع منها عدم الاعتراف بكامل الخسائر المحققة في المفاوضات مع الصندوق. الأمر الذي قد يفضي إلى أمر من اثنين، إما عدم موافقة الصندوق على مساعدة لبنان. وإما موافقته على دعم محدود جداً (برنامج جزئي) لا يتخطى المليار دولار، بعدما كانت الآمال مبنية على مساعدة مضاعفة عن العام الماضي، تتراوح بين 12 و15 مليار دولار. المصدر الذي يثق بأن “أغلبية الطبقة السياسية لا تريد التعاون مع صندوق النقد ضمناً، ولو كانت تجاهر بذلك علناً”، اعتبر أن “على السلطة الاعتراف بكامل الخسائر وتوزيعها بشكل عادل إن كانت تريد تعاوناً طويل الأمد مع “الصندوق” يساهم بالخروج جدياً من الأزمة.

 

إستدامة الدين العام

 

من أجل عدم تكرار فشل التفاوض يرى المدير التنفيذي السابق في بنوك وصناديق مالية عالمية صائب الزين أن على الفريق المفاوض المؤلف من رئاسة الحكومة و”المالية” ومصرف لبنان والجهة الاستشارية ضمان الاجماع الوطني على خطة التفاوض من كافة الفاعليات السياسية والمجتمع المدني”. هذا من الناحية العامة، أما من الناحية الخاصة فان “المرحلة أصبحت أكثر صعوبة وتعقيداً، وتتطلب اتخاذ اجراءات إصلاحية صارمة في القطاع العام والمالي والنقدي والكهرباء”، بحسب الزين. “ما يدل على ذلك معلومات تؤكد أن المدة المتوقعة للوصول إلى دين مستدام ارتفعت هذا العام إلى 35 سنة، بعدما كانت محددة في خطة الحكومة الماضية بـ5 سنوات”. هذا الواقع لا يبشر بحصول لبنان، أقله في المرحلة الأولى، على برنامج متكامل مع الصندوق، إنما أخذ الحد الأدنى المُقارن بمساهمته. وعلى أساس الإصلاحات المحققة والمنجزة في ما بعد، من الممكن تطوير المساعدة إلى برنامج متكامل تصل قيمته إلى 7 أو 10 أضعاف حصة لبنان في “الصندوق”.

 

الشروط الاصلاحية بعيدة المنال

 

للدخول في برنامج مع صندوق النقد على لبنان “تلبية مجموعة من الشروط والخطوات الاصلاحية التي ما زالت بعيدة المنال”، بحسب رئيس الجمعية الاقتصادية اللبنانية د. منير راشد ومنها بشكل أساسي:

 

– رفع الدعم كلياً.

 

– تحرير سعر الصرف.

 

– إجراء الاصلاحات الهيكلية وتحديداً في الكهرباء والقطاع العام.

 

حتى لو رفع لبنان الدعم في نهاية أيلول عن المحروقات فسيبقى هناك دعم الطحين بما لا يقل 150 مليون دولار سنوياً والدعم الجزئي للأدوية بمبلغ قد يصل إلى 500 مليون دولار.

 

والأهم بحسب الدكتور راشد هو “الدعم المعطى للكهرباء بمليارات الدولارات سنوياً. حيث يباع الكيلواط بـ1 سنت، فيما تفوق كلفته 18 سنتاً”. أما بالنسبة إلى سعر الصرف فهناك سعر الصرف المعطى على التعميم 151 (3900 ليرة حالياً) والسعر المعطى للسحوبات بحسب التعميم 158 (12 ألف ليرة) وهناك سعر منصة صيرفة (16500 ليرة)، هذا بالاضافة إلى السعر الرسمي المعمول به بين “المركزي” والمصارف، والمحدد بـ 1500 ليرة. وعليه فان “سعر الصرف الحر كما يطلب “الصندوق” ما زال بعيداً جداً والتوافق عليه مكلف جداً ومعقد”، يقول راشد، “أما بخصوص الاصلاحات فان الصندوق سيطلب تخفيض نفقات الدولة التي تتوزع أجور موظفين وخدمة دين وكهرباء”. وإذا توصلنا إلى حل أزمة الكهرباء وتفاوضنا على الدين العام يبقى بحسب راشد “الاصلاح المالي في القطاع العام من خلال تخفيض النفقات وزيادة الايرادات”. وهذا سيتطلب برأيه “زيادة الضرائب، وتخفيض أعداد الموظفين في القطاع العام بنسبة 50 في المئة. أي تخفيض عدد الموظفين من حدود 300 ألف إلى ما بين 150 و170 ألف موظف. من بعد كل هذه الاصلاحات المطلوبة تأتي معالجة الدين المتعثر في الداخل والخارج. من هنا يعتبر راشد أن لبنان ما زال بعيداً جداً عن تلبية أبسط شروط ومتطلبات الصندوق للدخول معه في برنامج اصلاحي حقيقي.

 

أهمية التعاون مع الصندوق

 

على عكس ما يسوق له البعض عن غاية أو جهل، فان شروط “الصندوق” مهما كانت قاسية تبقى هي الحمية التي على لبنان اتباعها للشفاء، بعدما أفرط في “التهام” الفساد والسرقة. وأهمية التعاون مع “الصندوق” لا تقتصر بحسب صائب الزين على “تدفق النقد الصعب من الخارج بعيداً عن استنفاد الاحتياطي، إنما على تشجيع بقية المؤسسات الدولية على تقديم المساعدات المادية للبنان لعلمها أنها ستُستثمر في المكان الصحيح”. ومها بلغت التضحيات التي على لبنان تقديمها لنيل مساعدة الصندوق تبقى بمثابة “البلل” الذي يجب ألا يخشاه لبنان “الغريق”.