مع اتّساع رقعة التركيز السياسي، كما الحكومي، على استحقاق الإنتخابات النيابية المقبلة، يتراجع المسار المالي والإقتصادي بشكلٍ لافت، في ضوء ما تحدّث عنه خلال الأسبوع الماضي نائب رئيس الحكومة الوزير سعادة الشامي، عن أن عملية التفاوض بين الحكومة وصندوق النقد الدولي، للخروج من الأزمة المالية، تتطلّب وقتاً طويلاً، ولن يكون التوصّل إلى اتفاق بين لبنان والصندوق مهمةً سهلة ووشيكة، مع ما يعنيه هذا الأمر من انعكاسات على مجمل المشهد المالي، وأيضاً المصرفي، وبالتالي على القضية الأولى في اهتمامات اللبنانيين وهي الودائع المحجوزة في المصارف منذ 17 تشرين الأول 2019 ، لدى اندلاع الإنتفاضة الشعبية إحتجاجاً على الواقع المالي والإقتصادي المتردّي.
وفي هذا المجال، تجزم مصادر نيابية مواكبة للملف المالي، بأن الفترة الفاصلة عن الإنتخابات النيابية في الخامس عشر من أيار المقبل، لن تحمل أي خطوات إيجابية على صعيد التوصل إلى مسودّة اتفاق مع صندوق النقد الدولي، الذي ما زال يحتفظ بلائحة طويلة من الملاحظات على التأخير غير المبرّر من قبل السلطتين التنفيذية والتشريعية في إقرار القوانين والخطوات الإصلاحية الضرورية من أجل العبور إلى واقع مالي واقتصادي واجتماعي وإداري، يسهّل المفاوضات بين الوفد الحكومي ووفد الصندوق.
وتكشف هذه المصادر، أن كل ما حصل من جولات نقاش بين الحكومة والصندوق، قد بقي في إطار المباحثات التمهيدية، بصرف النظر عن كل ما يتم إطلاقه من وعود حول تقدّم مسار المفاوضات، وعن إمكان النجاح في إنجاز خطة نهوض إقتصادي تشمل سلسلة خطوات تبدأ بالحفاظ على صغار المودعين وبتنقية القطاع المصرفي، ولا تنتهي بإصلاح القطاعات الحيوية، وفي مقدّمها قطاع الكهرباء، من دون إسقاط تكرار وفد الصندوق التأكيد على التشريعات الضرورية من أجل تشجيع التعافي، وفي مقدّمها تشريع الـ»كابيتال كونترول».
وإذ تشير هذه المصادر إلى ضبابية تحيط حتى اليوم بنتائج زيارة وفد الصندوق الخاطفة إلى بيروت في الأسبوع الماضي، تتحدّث عن أن الأجواء لا تنبئ بإمكان الحصول على دعم مالي سريع من الصندوق، وإن كان هذا الدعم هو البديل الأوحد أمام لبنان لمواجهة الإنهيار، والخروج من الأزمة المالية. وبالتالي، فإن هذا الواقع يقود إلى استنتاجات عدة على المستويين السياسي، كما الإقتصادي، وهي تتمحور كلها حول فشل كل المحاولات التي قامت بها الحكومة من أجل الإصلاح، حيث أن التباينات السياسية قد منعت أي تطوّر باتجاه اتخاذ، ولو خطوات بسيطة ومحدودة، تتناغم مع ما طلبه وفد الصندوق من أجل وضع مسار التعافي على السكّة الصحيحة.
وفي حين تركّز هذه المصادر النيابية المطّلعة نفسها، على أن المهلة الزمنية الفاصلة عن موعد استئناف المباحثات مع صندوق النقد، لن تلحظ أي مقرّرات داخل الحكومة على صعيد عملية التفاوض، تكشف في الوقت نفسه، عن وجود خلاف وانقسام سياسي واضح على طاولة مجلس الوزراء، حول المهام المنوطة بالحكومة والشروط التي يضعها صندوق النقد من أجل منح الدعم المالي للبنان، والظروف الإجتماعية الصعبة التي سترافق عملية الإلتزام بخطة تعافي وإنقاذ تتضمن شروطاً صعبة على صعيد المجتمع اللبناني، والمواطن الذي ينوء اليوم تحت ثقل الأزمة الإقتصادية الصعبة.