Site icon IMLebanon

خطة طاقم السلطة: فليَخضع لنا صندوق النقد!

 

 

ثمة مخادعة كبرى يمارسها طاقم السلطة في لبنان في التعاطي مع صندوق النقد الدولي. فمنذ أن بدأ هذا الطاقم مفاوضاته مع الصندوق في العام 2020، وصولاً إلى توقيع الاتفاق المبدئي على مستوى الخبراء، في نيسان 2022، كان هناك طلب واحد من الصندوق هو الإصلاحات. وفي المقابل، بقي الردّ اللبناني واحداً، وهو التهرّب من الإصلاح. إذاً، ما الذي يريده الطاقم السياسي من مفاوضاته مع الصندوق؟

قبل 10 أشهر، عندما وقّع لبنان على الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي، أطلق تعهّداً بالتزام برنامج إصلاحي، قال المسؤولون إنّ تنفيذه سينطلق بعد الانتخابات البرلمانية في أيار والانتخابات الرئاسية التي كان مفترضاً أن تجرى قبل نهاية تشرين الأول. ومن شأن البرنامج أن يتيح للبنان الحصول على مساعدات تقارب الـ3 مليارات دولار في خلال 4 أعوام. ووعد هؤلاء بأن يتمّ استكمال التنفيذ قبل الاجتماع السنوي الذي يعقده المجلس التنفيذي للصندوق في تشرين الأول من العام الفائت.

 

والخطوات التي وعد لبنان بتنفيذها في ذلك الحين هي:
1- إقرار استراتيجية لإعادة هيكلة المصارف، تقرّ مسبقاً بالخسائر التي تكبّدها القطاع وتعالجها، مع حماية صغار المودعين والحدّ من الاستعانة بالموارد العامة. والشروع في تقويم أكبر 14 مصرفاً، كل على حدة، بمساعدة شركة دولية مرموقة، وموافقة المجلس النيابي على تشريع طارئ ملائم لتسوية الأوضاع المصرفية.
2- تعهّد لبنان بأن يوافق المجلس النيابي على تعديل قانون السرية المصرفية ليوائم المعايير الدولية لمكافحة الفساد، وبأن يزيل بشكل فاعل كل العقبات أمام إعادة هيكلة القطاع المصرفي والرقابة عليه، وإدارة الضرائب، والكشف عن الجرائم المالية والتحقيق فيها، واسترداد الأصول.
3- إنجاز التدقيق في مصرف لبنان، وقيام المصرف بتوحيد أسعار الصرف لمعاملات الحساب الجاري المصرّح بها ودعم ذلك بفرض ضوابط رسمية على رأس المال.
4- التعهّد بموافقة مجلس الوزراء على استراتيجية متوسطة الأجل لإعادة هيكلة المالية العامة والدين، وبإقرار المجلس النيابي موازنة إصلاحية للعام 2022، تسمح ببدء المساءلة المالية.

كان الفريق المفاوض يعتقد أنّ حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ستكون أكثر فاعلية في الاستجابة لشروط الصندوق من حكومة الرئيس حسان دياب التي أمضت عامين من المفاوضات معه، بلا نتيجة. وبالفعل، حصل موفدو الصندوق على وعود من حكومة ميقاتي بالتزام برنامج إصلاحي متكامل بعد إجراء الانتخابات النيابية وبدء المجلس النيابي الجديد ولايته في أيار.

 

وبالفعل، وعلى مدى أشهر بعد الانتخابات، حاول الصندوق دفع السلطات اللبنانية إلى التزام تعهداتها، لأنّ الهامش الزمني يضيق أمامها. لكن شيئاً لم يتحقق، ولم يُظهر طاقم السلطة أي استعداد للتجاوب مع الخطوات الإصلاحية. وبدا راغباً فقط في تحصيل ما أمكن من أموال الصندوق لتقطيع المرحلة ومحاولة الحصول منه على “براءة ذمّة” تبرّر طلبه المساعدات العربية والدولية.

وكان الصندوق قد سلّم لبنان مبلغ 1.135 مليار دولار في أيلول 2021، هي بدل حقوق السحب الخاصة SDR. ويمثل المبلغ حصته عن العام 2021 وقيمتها 860 مليون دولار، وعن العام 2009 وقيمتها 275 مليون دولار. وقد اشترط إيداع المبلغ في حساب مصرف لبنان، “لتساعد في إعادة بناء احتياطات مصرف لبنان التي استُنفِدت، وليتمّ استخدامها بصورة شفافة ومسؤولة تدعم التعديلات والإصلاحات اللازمة على مستوى الاقتصاد الكلي”. وهذا الأمر لم يتمّ الالتزام به.

ومع اقتراب انعقاد جلسات المجلس التنفيذي في واشنطن، في الخريف، كثّف خبراء الصندوق محاولاتهم مع المعنيين في لبنان. وهذه المرة، كانوا أكثر غضباً، وخاطبوا الطاقم المفاوض بالقول: احترِموا ذكاءنا. أنتم تتهرّبون من الإصلاح وتمارسون لعبة أرقام خادعة بأسعار الدولار والموازنة وكل شيء. وتتقاطع اتهامات الصندوق مع الارتفاع في منسوب العقوبات والاتهامات الأميركية والأوروبية، وتحرّكات القضاء الأوروبي لكشف مكامن الفساد اللبناني.

 

ومن هنا، يُطرح السؤال: ماذا يريد طاقم السلطة من صندوق النقد والمفاوضات الجارية معه والاتفاق المبدئي الذي تمّ التوصل إليه في العام الفائت؟
واضح أنّ الطاقم الذي أمضى 3 سنوات حتى اليوم في المماطلة والمناورة، لا يريد إطلاقاً التزام شروط الصندوق الإصلاحية، لأنّ أي التزام منه ببرنامج إصلاحي، مضبوط دولياً في شكل مُحكَم، يعني أولاً فضح كل الموبقات التي ارتكبها على مدى عقود، وتالياً انكشاف هذا الطاقم وانتهاء دوره وتحويله إلى المحاسبة. أي إنّ للاتفاق مع صندوق النقد انعكاسات سياسية يتهرّب منها هذا الطاقم.

كما يعني الارتباط باتفاق مع الصندوق نقل البلد، لسنوات، إلى حال من الشفافية، بحيث يتوقف الفساد والفلتان في العديد من المرافق ومواقع الإدارة العامة والسلطة، وينكشف التهرُّب والتهريب الذي يستفيد منه الكثيرون، فيسقطون. وهذا أمر لا يمكن لطاقم السلطة أن يتقبّله، وسيقاتل طويلاً لمنع الوصول إليه.

في أي حال، يعتقد أحد المعنيين بالملف، أنّ طاقم السلطة لا يستطيع القول صراحة إنّه يرفض الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، لأنّ ذلك يعني عزله دولياً. والأفضل له أن يناور بمفاوضات شكلية مع الصندوق، توحي بالإيجابية، كسباً للوقت، إلى أن تتحقق ظروف تدفع بالصندوق إلى أن يتراجع عن شروط الإصلاح فيرضخ ويفرج عن مساعداته، ولو استمر الفساد.

وهذا الأمر يمكن أن يتحقق إذا توصلت القوى الإقليمية والدولية إلى تسوية سياسية تقضي بـ”ترقيع” الوضع في لبنان حتى إشعار آخر. وفي هذه الحال، سيكون اضطرارياً تمويل التسوية، بمساعدات من صندوق النقد وسواه. ورهان طاقم السلطة على هذا الأمر يبدو أشبه بضربة الحظّ، وهو يعتبر نفسه محظوظاً حتى الآن. فهل ينجح في هذا الرهان؟