التوقعات للنمو وفرص العمل في دول الاتحاد الاوروبي – ما عدا بريطانيا – سوداوية وازدادت سواداً مع تفجر قضية شركة “فولكسفاغن” على صعيد نسبة التلوث من السيارات التي تعمل على المازوت.
ومعلوم ان الاقتصاد الالماني، الذي يغطي 82 مليون مواطن، بدأ يشكو من تدني نسبة النمو، وارتفاع نسبة المسنين بين السكان، الامر الذي دفع المستشارة ميركل الى تشجيع هجرة السوريين من العائلات الى المانيا، وربما الفلسطينيين لاحقا، للحفاظ على ديناميكية كتلة العمال، والاقتصاد الالماني في حجمه ونموه كان يعتبر القاطرة بين دول الاتحاد الاوروبي.
من المؤكد أن قضية “فولكسفاغن” ستؤثر سلبًا على نمو الاقتصاد الالماني، فهذه الشركة بما تملك من ماركات أخرى بينها سيارات “البورش” و”البنتلي” و”الأودي” و”اللامبورغيني” حققت في نهاية شهر حزيران أعلى مبيعات في العالم خلال الاشهر الستة الاولى من هذه السنة، وتالياً سبقت شركة “تويوتا” اليابانية وشركة “جنرال موتورز” الاميركية.
ويتعين على الشركة استرجاع 8,5 ملايين سيارة تعمل على المازوت في اوروبا، لتوفير بخاخات وانظمة كبح للتلوث جديدة لن تقل كلفة تركيبها مع نقل السيارات عن 1500 أورو لكل سيارة، بحيث تبلغ الكلفة الاجمالية 12,.75 مليار أورو، تضاف اليها على الاقل خمسة مليارات من التكاليف في الولايات المتحدة.
وهكذا سيكون العبء على “فولكسفاغن” للاصلاحات على الاقل نحو 20 مليار دولار، كما يقدر ان تنخفض مبيعات الشركة بنسبة 25 في المئة سنة 2016، فيكون من المستحيل على الشركة تحقيق ارباح مهما فعلت مدة سنتين.
وقد تجلى تعاظم المخاوف في انخفاض أسعار أسهم الشركة في السوق الالمانية، اذ بلغ الانخفاض في سعر السهم أواسط هذا الاسبوع 40 في المئة. ومن كبار الذين خسروا نتيجة لذلك دولة قطر التي تملك 17 في المئة من اسهم الشركة، وتعتبر ثاني اكبر مستثمر فيها بعد ورثة مصمم ومنتج “فولكسفاغن” و”البورش”. وعلى رغم ملكيتها نسبة ملحوظة، لم يكن لقطر صوت في مجلس الادارة.
ولعل أهم من تبخر امكانات النمو في المانيا سنة 2016 وازدياد ضغوط حاجات المهجرين، المفاوضات لاعادة صياغة الاسس الرئيسية للتعاون بين الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي بناء على طلب بريطانيا والحاح رئيس وزرائها على تحقيق مطالب بريطانية مزمنة قبل اجراء استفتاء في نهاية السنة المقبلة على رغبة البريطانيين في الاستمرار في عضوية الاتحاد او الخروج منها. ويعني تفضيل الخروج بدء انهيار منظومة الاتحاد الاوروبي، الذي يعاني انشقاقات بسبب ازمة الديون اليونانية وبرامج المساعدة، كما بسبب تدفق المهاجرين والمواقف المختلفة للدول المعنية من هذا التدفق.
تضاف الى كل ذلك مصاعب مؤسساتية لدى صندوق النقد الدولي. فالاتفاقات على زيادة موارد الصندوق منجزة منذ خمس سنوات، لكن الولايات المتحدة ترفض الاسهام في زيادة الموارد، وفي الوقت ذاته تصر على استمرار تمتعها بحق الفيتو على القرارات الرئيسية ولو ازدادت نسبة اصوات الاعضاء الآخرين ولاسيما منهم الصين واليابان.
كريستين لاغارد، رئيسة صندوق النقد الدولي ووزيرة الاقتصاد والمال الفرنسية سابقًا، ورئيسة مكتب حقوقي أميركي يعمل في باريس، وضعت مشروعًا لتعزيز موارد صندوق النقد الدولي، كي يستطيع الاستمرار في نشاطه ودعمه للدول الاعضاء التي تعاني مصاعب على حساب ميزان المدفوعات، وهي تنوي عرض المشروع على التصويت قبل نهاية السنة، فان رفض الطرف الاميركي الاقتراحات يسقط المشروع، كما تتخلى كريستين لاغارد عن الرئاسة السنة المقبلة من غير ان تترشح لدورة جديدة. وهذا الامر يعني ان صندوق النقد الدولي سيخفض مساعداته خلال 2016، وهي السنة التي ينتظر ان تسودها حال انكماش في أوروبا، ونمو متوسط في الولايات المتحدة، ونمو مقبول في الصين، كما تبين الاحصاءات الاخيرة. وهذه الصورة تفيد ان العالم لن يقع في ازمة كساد بل سيستمر في ازمة انكماش. الدول النامية مثل البرازيل وفنزويلا والمكسيك التي تعتمد على عائدات النفط الى حد كبير، ستشهد تقلصًا في حجم انتاجها الامر الذي يعني ان حجم الانتاج العالمي بالكاد سيبقى على مستواه، وان حقبة الازدهار، على رغم تجميد معدلات الفوائد حتى على الدولار، في المستقبل القريب، لن تخيم على العالم وتحول التشاؤم الى تفاؤل. والوضع في الدول العربية النفطية يعاني انخفاض اسعار النفط والغاز وتكاليف الحرب في اليمن وسوريا، ونفقات التسلح الباهظة.
أما الوضع في لبنان، فلن يكون افضل مما هو الوضع في ايطاليا أو البرتغال. فالنمو المتوقع، حتى لو حصلنا على ملياري دولار من المعونات الدولية والعربية، وهذا الامر لن يحصل، لن يتجاوز نسبة 1 في المئة، وميزان المدفوعات سيبقى عاجزًا ولا يعوضنا العجز سوى تدفقات ما يسمى الاقتصاد الاسود والتي نقدرها بـ12 مليار دولار سنويًا ولا تتوافر في معظمها نتيجة اعمال مخالفة للقانون، بل هي مرافقة لنشاطات تغفل الاحصاءات العامة احتواءها.
بات وضع لبنان محرجًا، ليس على الصعيد المالي، فالدين العام بنسبة 80-82 في المئة يحمله اللبنانيون ولا مصلحة لهم في افلاس الدولة، لكن جمود الادارة اللبنانية، وابتعاد النواب عن أي تشريعات اصلاحية، وتبعثر حركات أصحاب المطالب، وتجاوز المطالب أحياناً كثيرة مستوجبات القانون ورعاية حماية الاشخاص، كل هذه المظاهر تضر بإمكانات تحفيز الاقتصاد وتحقيق نمو حقيقي بمعدل 5-6 في المئة يسمح باستيعاب الشباب في كتلة الايدي العاملة المنتجة.
حينما نصغي الى شباب متعلمين يطلبون العمل ولا يجدونه ويطرقون ابواب المؤسسات ولا من يجيب، وحينما توقف اجراءات مجلس النواب، إطلاق أعمال سد بسري وربما توقف البنك الدولي عن اقراض لبنان لمدة أربع سنوات، وتوقف اصدار المراسيم التنفيذية للبحث والتنقيب عن النفط والهيئة الناظمة في حال غيبوبة بسبب الانتظار الطويل دون سبب معقول، كيف لنا ان نأمل في المناخ الدولي وواقع التقاعس المحلي في تحقق اي نمو وانفراج؟!