Site icon IMLebanon

لا حراك دولياً قبل «امتحان الأربعاء الكبير»!

 

يتقصّى اللبنانيون ما يمكن أن يقوم به أصدقاء لبنان عقب التحوّلات التي أصابت المبادرة الفرنسية عشية الجلسة الـ 12 لانتخاب الرئيس وما بعدها. فالاستقطاب الديبلوماسي الذي استعادته باريس، دفع إلى اعتبار جلسة «الأربعاء الكبير» إحدى آخر المواعيد المتروكة للبنانيين. وبانتظار القمة الفرنسية – السعودية بعد غد الجمعة في باريس، فإنّه لا بدّ من التوقف عند المواقف الدولية الداعية إلى إتمام الاستحقاق بسرعة، ومن ضمن المؤسسات الدستورية. وعليه، ما الذي يؤدي إلى هذه المعادلة؟

قبل ساعات قليلة على جلسة «الأربعاء الكبير» المخصّصة لانتخاب الرئيس العتيد للجمهورية تعدّدت السيناريوهات التي تمزج بين المخاوف من نتائجها، في ظلّ أجواء التشنّج السياسي السائدة على اكثر من مستوى من جهة، والتمني بأن تكون ترجمة فعلية لما يقول به النظام البرلماني الديموقراطي في لبنان من جهة أخرى. ولذلك، توجّهت الأنظار الى ما يمكن ان تقوم به الأطراف الإقليمية والدولية التي تبرّعت بالبحث عن حلّ لمجموعة الأزمات التي يعانيها لبنان. وفي أولوياتها إتمام الاستحقاق الخاص بانتخاب الرئيس لكي تنتظم العلاقات بين المؤسسات الدستورية، بعد اكتمال عقدها لمجرد إنهاء الفراغ الرئاسي، بعدما قدّمت التطورات صورة واضحة عن نتائجها الكارثية التي لم يتداركها اللبنانيون من ضمن المِهل الدستورية التي تحكّمت بالاستحقاق.

وعلى الرغم من الفوارق بين هذه الانطباعات المتناقضة، فإنّ العيون توجّهت إلى ما يمكن ان تنتهي اليه التحرّكات الخارجية الاقليمية منها والدولية، والتي عبّرت عنها مجموعة التحرّكات التي تقوم بها دول «لقاء باريس الخماسي»، مضافة إلى مجموعة الهيئات الاقليمية العربية والغربية التي تضمّ بلدانها ومعها جاراتها، إن على المستوى الغربي الذي يجسّده الاتحاد الأوروبي، كما على المستويين العربي عموماً والخليجي خصوصاً ممثلاً بجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي. وهي هيئات سبق لها ان وضعت الملف اللبناني اياً كان حجمه وموقعه بالنسبة إلى كل منها، على جداول أعمالها منذ فترة طويلة، سبقت بدء احتساب المِهل الدستورية لانتخاب الرئيس، وبات بنداً ثابتاً في بياناتها الختامية في حضور من يمثل لبنان كما في غيابه. وذلك بالنظر إلى التداعيات التي تجاوزت حدود الاراضي اللبنانية وانعكست على محيطها القريب والبعيد في ظلّ كثافة الملفات المتفجّرة التي تشغلها وتحدّد أولوياتها.

على هذه القاعدة، تترقّب الاوساط الديبلوماسية ما يمكن ان يؤدي اليه الحراك الدولي والاقليمي، بعدما بُنيت عليه بعض الرهانات والمواقف الداخلية. وهو ما ترجمته ساعات الإنتظار لما يمكن أن تقود اليه النتائج المترتبة على «اتفاق بكين» بين السعودية وإيران، والتي طال انتظارها، لتنعكس ايجاباً على الساحة اللبنانية، ما ادّى إلى تعليق الأهمية على المبادرة الفرنسية التي نُسبت إلى التعاون الذي قام منذ انعقاد لقاء باريس للدول الخمس التي تورطت في تفاصيل الأزمة الداخلية وما رافقها من مطبّات جعلت انتظار نتائجها يطول الى ما لم يكن يتوقعه احد. فعلى الرغم من الحديث المتنامي عن التعاون الذي شاءت باريس ان تترجمه بالإنابة عن نظيراتها العواصم الاربع واشنطن والرياض والدوحة والقاهرة، فقد يتبين أنّ مثل هذا التعاون المنتظر لم يتحقق بعد بالطريقة المثلى، ليقود المساعي الحميدة إلى النتائج الايجابية التي انتظرها المتفائلون، ولو بفوارق لا يمكن إخفاءها في ظلّ الاتهامات المتبادلة بين اللبنانيين. وهي التي أنتجت مواقف وخطوات فرزتهم بطريقة عطّلت الاجماع المطلوب بالحدّ الادنى لإتمام الاستحقاق أياً كانت النتائج التي يدفعون ثمنها على مختلف انتماءاتهم، بعدما وحّدتهم المحنة الاجتماعية والمالية والصحية والتربوية والخدماتية.

وبمعزل عن هذه الانطباعات التي يمكن ان تتطور لتبلغ الذروة قبل افتتاح جلسة الانتخاب اليوم، فإنّ الأنظار اتجّهت إلى الحراك الذي قادته السفيرة الفرنسية آن غريو أمس الأول، وهي التي جالت بين وزارة الخارجية وعين التينة، عدا عن الإتصالات التي قامت بها عند عودتها إلى بيروت، مع نظرائها سفراء مجموعة لقاء باريس، ومع قيادات سياسية وحزبية، فإنّها أصرّت على ضرورة إتمام الاستحقاق كما تعهّد جميع المعنيين بدءاً من رئيس المجلس النيابي الذي وعد بالدعوة إلى جلسة بكل مواصفاتها الدستورية فور توافر مرشحين جدّيين.

ولا يستثني التعهّد الذي ارادت غريو التذكير به – في آخر مهمّة لها في بيروت وقبل تركها لبنان في آب المقبل، لتولّي مهمّاتها كمديرة لشؤون الشرق الاوسط في وزارة الخارجية، وترك موقعها لمن يخلفها سفير بلادها في انقرة هيرفيه ماغرو – بقية الاطراف الذين أقرّوا بضرورة الاحتكام إلى اللعبة البرلمانية، كما طالبت بها المبادرة السعودية وقبلها القطرية مدعومة برسالة اميركية واضحة، قالت بضرورة المضي بمراحل الاستحقاق في ظلّ ما ظهر من تفاهم سعودي – إيراني على النأي بنفسيهما عن هذا الاستحقاق. وهو ما ترجمته الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الايرانية حسين امير عبد اللهيان الى بيروت تزامناً مع الجولة الواسعة التي قام بها السفير السعودي وليد البخاري، داعياً الجميع إلى «مواجهة برلمانية» بين مرشحين «موزونين»، بطريقة تحاكي ما قال به الدستور، لتكون بلاده ومعها مجموعة اصدقاء لبنان إلى جانب من ينتخبه مجلس النواب، تمهيداً للخروج من مسلسل الأزمات والمآزق.

وإلى جانب هذه المؤشرات التي راهنت على التزام اللبنانيين بما تعهّدوا به، لا يمكن تجاهل ما عبّرت عنه مواقف وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا من الرياض، على هامش مشاركتها في مؤتمر الدول لمواجهة إرهاب «داعش» قبل ايام، توحي انّ محطة 14 حزيران مهمّة جداً بالنسبة إليهم. وإن أُضيف هذا الموقف إلى جانب ما اشار اليه البيان الختامي لاجتماع مجلس التعاون الخليجي الاحد الماضي، فهو يعزز هذا التوجّه، بعدما شدّد على «انتخاب الرئيس ضمن المِهل الدستورية وضمان عدم تحوّل لبنان منطلقاً للإرهاب أو تهريب المخدرات، والأنشطة الإجرامية الأخرى التي تهدّد أمن واستقرار المنطقة»، مع تشديده على «أهمية بسط سيطرة الحكومة اللبنانية على جميع الأراضي اللبنانية».

عند هذه الملاحظات، تنتهي المراجع الديبلوماسية لتقول إنّ محطة اليوم تشكّل «امتحاناً لبنانياً» قد يكون الاخير موعداً مهمّاً بالنسبة الى الدول المهتمة بلبنان بطريقة أوحت بأنّها سبقت اللبنانيين بإعطاء الاستحقاق الأولوية قبل الباحثين عن آلية تعطيل النصاب، لمنع انتخاب المتقدّم بين المرشحين أياً كانت الكلفة المقدّرة لمثل هذه الخطوة السلبية. وهو ما سيقود الى آلية عمل جديدة يعتمدها المجتمع الدولي، والتي تترجمها الرسائل الاميركية بعقوبات جديدة على بعض القيادات، وما يمكن ان يحمله الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان الى بيروت مطلع الاسبوع المقبل من اقتراحات عملية إن توافرت. ليُطرح السؤال عن مدى قدرتهم جميعاً على إنتاج الحل في لبنان قبل إعلان العجز بوجهيه الداخلي والخارجي، لتبدأ مرحلة جديدة من الانهيارات المتوقعة في حال لم يتمّ لجم مظاهر التهور وضبط الخطاب المتفلّت من كل عقال أخلاقي وسياسي غير المنضبط الذي تجاوز كل الحدود في جوانب عدة.