على الرغم من مخالفة الدستور وقانون المحاسبة العمومية في إعداد ومناقشة مشروع موازنة 2018، لم يكن هناك اهتمام جدي من قوى السلطة بهذا الأمر، لكنهم مستعدّون للرضوخ لضغوط سفراء الدول المانحة والمؤسسات الدولية التي حذّرتهم من عدم الذهاب إلى مؤتمرات الدعم المقرّرة للبنان من دون موازنة، فهل هناك وقت لإقرار موازنة والقيام بإصلاحات اقتصادية ومالية وإدارية، أم أن التسوية لإقرارها ستعفي قوى السلطة من هذه المهمة؟
يدرس مجلس الوزراء في جلسة استثنائية، اليوم، مشروع قانون موازنة 2018 الذي أحالته وزارة المال على مجلس الوزراء، يوم الجمعة الماضي، من دون إجراء تعديلات جذرية على النسخة التي أرسلتها الوزارة قبل أسابيع ومن دون أن يتضمن التخفيضات التي طلبها رئيس الحكومة سعد الحريري، بموجب تعميم رسمي وجهه إلى الإدارات العامة، وذلك بنسبة 20%.
يعود هذا الاستعجال إلى تحذيرات تلقاها لبنان من سفراء الدول المانحة، ومن مؤسسات دولية كصندوق النقد والبنك الدوليين، اعتبرت أن ذهاب لبنان إلى مؤتمرات الدعم بلا موازنة 2018 هو إشارة سلبية تؤدي إلى نتائج غير متوقعة. رئيسا الجمهورية ميشال عون ومجلس النواب نبيه بري، تداولا بهذا الأمر في لقائهما قبل نحو أسبوعين واتفقا على الإسراع في بتّ الموازنة ضمن العقد العادي لمجلس النواب الذي يبدأ بحسب المادة 32 من الدستور «يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر آذار، وتتوالى جلساته حتى نهاية شهر أيار»، ربطاً بالتحضيرات الجارية لانعقاد مؤتمر روما ومؤتمر باريس 4، وإلا فإن إقرار الموازنة لن يكون متاحاً خلال الفترة المقبلة التي تتضمن استعدادات للانتخابات النيابية المقرّرة في 6 أيار.
رُصدت اعتمادات إنفاقية في مشروع موازنة 2018 بقيمة 24500 مليار ليرة
جلسة اليوم، وهي الأولى، ستليها جلسات متتالية تستجيب لتفاهم الرؤساء والتحذيرات الدولية ضمناً، وهذا يعني أن مجلس الوزراء قد يتجاوز الاتفاق الذي عقد بين أطراف السلطة أثناء مناقشات موازنة 2017 والذي تضمن إقرار موازنة 2017 من دون إصلاحات جذرية، على أن يُعمل على أدخالها وإقرارها في موازنة 2018، علماً أن الخوض في الإصلاحات الاقتصادية، يتطلب وقتاً زمنياً أطول من الفترة المتاحة قبل انعقاد مؤتمرات الدعم. ويقاس هذا الأمر بالاستناد إلى مناقشات موازنة 2017، إذ تتطلب الأمر بضعة أشهر وعقد أكثر من 15 جلسة من دون مناقشة الخيارات الإصلاحية.
من هنا يربط بعض المطلعين ما قاله ميشال عون عن الكهرباء والإسراع في تلزيم البواخر، ففي اعتقاده أن هذا التلزيم يشكّل بداية الحلّ للكلفة المترتبة عن الدعم الذي تدفعه الدولة لتأمين التيار الكهربائي على أساس أن بواخر الكهرباء ستؤمن زيادة في التغذية تتيح لوزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان رفع التعرفة على المستهلك بما يؤدي إلى خفض كلفة الكهرباء على المالية العامة.
واللافت أن هذه التسوية لم تأتِ في إطار تدارك تجاوزات السلطة للدستور والقوانين المرعية في إعداد الموازنة العامة وإقرارها. فبحسب المادة 17 من قانون المحاسبة العمومية «يقدم وزير المال مشروع الموازنة إلى مجلس الوزراء قبل أول أيلول مشفوعاً بتقرير يحلل فيه الاعتمادات المطلوبة، والفروقات المهمة بين أرقام المشروع وأرقام موازنة السنة الجارية». وتنصّ المادة 83 من الدستور على أنه «كل سنة في بدء عقد تشرين الأول، تقدّم الحكومة لمجلس النواب موازنة شاملة نفقات الدولة ودخلها عن السنة القادمة ويقترع على الموازنة بنداً بنداً».
وبحسب عدد من الوزراء، رصدت اعتمادات إنفاقية في مشروع موازنة 2018 بقيمة 24500 مليار ليرة باستثناء الموازنات الملحقة مقارنة مع 23900 مليار ليرة في موازنة 2017. وفي المقابل، تبلغ قيمة الإيرادات المتوقعة لعام 2018 نحو 17000 مليار ليرة، مقارنة بإيرادات بقيمة 16400 مليار ليرة. والعجز في 2018 لن يتغيّر مقارنة بالسنة الماضية، أي إنه سيبلغ 7500 مليار ليرة، لكن خدمة الدين ستزداد بقيمة 1300 مليار ليرة لترتفع إلى 6000 مليار ليرة.
وقد أدرج في مشروع موازنة 2018 عدد من البنود الإنفاقية: 2100 مليار ليرة تحويلات إلى مؤسسة كهرباء لبنان، 1000 مليار ليرة لمشاريع إنتاج الكهرباء (بواخر)، 150 مليار ليرة لمجلس الإنماء والإعمار والهيئة العليا للإغاثة، 422 مليار ليرة لخطة النهوض الثقافي، قانون برنامج لوزارة الطاقة بقيمة 3900 مليار ليرة، 180 مليار ليرة لمشروع توسعة المستشفى العسكري، قانون برنامج لمكننة رئاسة مجلس الوزراء بقيمة 135 مليار ليرة، 150 مليار ليرة حوافز للبلديات.