دفْع دولي لتسليح الجيش سريعاً وتسليمه مواجهة الإرهاب لا تفاهم رئاسياً رباعياً أو إسلامياً من دون المكوّن المسيحي
يخرج زائر باريس هذه الأيام، وفي ضوء نتائج المحادثات الرسمية التي أجراها رئيس الحكومة تمام سلام منتصف الأسبوع الماضي في العاصمة الفرنسية، بانطباع قوي أن ملف تسليح الجيش يتقدم على ما عداه من الاستحقاقات اللبنانية، بما فيها استحقاق رئاسة الجمهورية، على خلفية أن مواجهة الإرهاب الذي يجتاح المنطقة والعالم ويجد له طريقاً داخل الحدود اللبنانية تأتي في سلم أولويات المجتمع الدولي. وهذا يعود الى تسليم دولي بضرورة تأهيل الجيش وتجهيزه ليتمكن من ضرب الإرهاب، وتنفيذ هذه المهمة ليس دفاعاً عن بلده فحسب، بل حماية لدول أخرى تعيش تحت وطأة هذا التهديد. علماً أن هذه الإرادة الدولية لا تلغي المحاذير الدولية والأميركية تحديدا لجهة ضرورة أن تخضع لائحة أي سلاح أو تجهيز يمكن أن يحصل عليه لبنان لشروط عدم تهديده أمن إسرائيل.
أكثر من دولة تتحرك على هذا الصعيد، وأكثر من دولة أبدت رغبتها واستعدادها لتأمين السلاح على ما تقول مصادر متابعة في وزارة الخارجية تأتي فرنسا في مقدم هذه الدول بعدما وقعت صفقة التسليح بـ3 مليارات دولار، تمثل قيمة الهبة السعودية للبنان، وتستعد لبدء التنفيذ في مهلة أقصاها شهر، وهي المهلة التي لحظها العقد للتوقيع النهائي بعد إنجاز المواصفات التقنية والفنية للأسلحة المزمع تسليمها، علماً أن هذه المهلة مهددة في حال رفض الجانب السعودي التوقيع أو تأخر في تسديد الدفعة الأولى من الاعتمادات، التي يضغط الفرنسيون للحصول عليها للتعجيل في التسليم.
وتقول أوساط على صلة بوزارة الخارجية اللبنانية أن معظم المفاوضات في شأن السلاح تلحظ تزويد لبنان طائرات الهليكوبتر. فإلى جانب طائرات “التوريل” الواردة في الاتفاق الفرنسي، تعتزم الولايات المتحدة الأميركية تزويد لبنان طائرات “سوبر توكانو”، وقد شكل هذا الموضوع محور محادثات نائب وزير الدفاع الأميركي الى بيروت أخيراً. وسبق ذلك جهود بذلت على مستوى الكونغرس وفق ما أفادت المعلومات، لعدم رفضها. وقد خضعت كوادر في الجيش لتدريبات على استعمال هذه الطائرات.
والأمر ينسحب كذلك على روسيا التي تعطي أولوية لسلاح الجو، على ما أفادت أوساط الخارجية، كذلك قبرص التي أبدت استعداداً لتقديم هبة رمزية، والأردن الذي سيقدم سلاحاً بضوء أخضر أميركي، وجاء ذلك نتيجة اتصالات تجرى منذ شهرين مع وزارة الخارجية.
وبدا من كثافة حركة الموفدين الدوليين الى لبنان، أن ثمة قلقاً دولياً من تفلت الوضع الأمني وفقدان المظلة الدولية التي تحمي الاستقرار الداخلي وهو ما دفع الى تحريك الملف الرئاسي.
لكن كل تلك الحركة لا تزال بحسب أوساط الخارجية عينها، ضمن دائرة النيات الحسنة، ولم تبلغ بعد مستوى يذلل العقبات القائمة أمام انتخاب رئيس جديد للجمهورية. حتى الحركة الفرنسية لم تبلغ بعد مستوى وصفها بالمبادرة التي يمكنها أن تثمر رئيساً جديداً.
وفي رأي الأوساط عينها، أن ثمة قراءة غير دقيقة للموقف الايراني من الاستحقاق الرئاسي، أرست أجواء من التفاؤل في غير محلها.
وتدرج هذه الأوساط قراءتها التي تصفها بالواقعية، في إطار عملية استدراج العروض التي لم تبلغ المفاوضات فيها بعد مستوى المقايضة. وعليه، فهي تتحفظ عن وصف المواقف الإيرانية الأخيرة التي حملها الموفد الفرنسي فرنسوا جيرو بالمنفتحة، مشيرة الى أن ليس لدى طهران النية لتقديم أي تنازلات أو تسهيلات (ليست في الواقع في حاجة إليها) بالملف اللبناني، مقابل الملف النووي.
أما عن زيارة جيرو الخامسة المرتقبة لإيران قبل نهاية السنة الجارية، فإن الأوساط تدرجها في إطار استكمال المشاورات، من دون أن يعني ذلك أن في الأفق ضوءاً رئاسياً قريباً.
وفي الانتظار، دعت الأوساط الى ترقّب التطوّر في المشهد الداخلي، ليس على جبهة حوار “حزب الله” و”المستقبل”، بل على المحور المسيحي بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع، والذي يعود إليه تحديد مصير الرئاسة، انطلاقاً من اقتناعها بأن أي تسوية أو صفقة أو تفاهم رباعي أو إسلامي لن تتم من دون المكون المسيحي. وهذا ما ستظهره في رأيها، تطورات المرحلة المقبلة.