IMLebanon

الرباعية الدولية تسوق العرب للتعاون الأمني مع إسرائيل

تكشف وثائق المبادرات الأوروبية والدولية المطروحة حالياً لإحياء عملية السلام بين إسرائيل وما بقي من سلطة فلسطينية، أن الدول الأطلسية ومعها روسيا قررت أن تسوقَ الدول العربية سَوقاً لتعاونٍ إقليمي أمني واقتصادي مع إسرائيل، وتقترح تعديل المبادرة العربية للسلام وإجهاض حق العودة. وهي تعتبر أن «التحريض على العنف» من قبل الفلسطينيين ضد «حمامة السلام» المسماة اسرائيل، يوازي اجرام تلك العصابات الصهيونية المقنّعة بلبوس مستوطنين أو مستعمرين .

كيف لا يحصل كل ذلك وجل النظام العربي غارق بالفتن، ويستمر بفتح علاقات مع إسرائيل، وتصل وقاحة بعض العرب إلى حد المشاركة في مؤتمر هرتزيليا. يشار الى ان هذا المؤتمر أخذ اسمه من منظِّر الصهيونية ثيودور هرتزل ويقام كل عام في قرية «سيدنا علي» بعد طمس اسمها كما يُطمس الكثير من تاريخ فلسطين ومن كرامة العرب بغية بحث مستقبل الامن الاستراتيجي الاسرائيلي.

لنترك المشاعر جانبا، فالنيران المشتعلة في الجسد العربي باتت تحرق حتى المشاعر .

ماذا في الوثائق؟

بعد أن سيق العرب مشتتين إلى مؤتمر مدريد 1991، ثم سيق الفلسطينيون الى أوسلو وغيرها، وما أعقب ذلك من فتح علاقات عربية دبلوماسية او تجارية مع اسرائيل منذ العام ١٩٩٤، جرى اختراع منظومة اسمها «الرباعية الدولية». كان أحد عرّابي الرباعية لو تذكرون ومبعوثها الى المنطقة رئيس وزراء بريطانيا السابق طوني بلير.. أي الرجل الذي دمّر مع جورج دبليو بوش العراق بناء على كذبة أسلحة الدمار الشامل وكذبة تعاون الرئيس الراحل صدام حسين مع القاعدة. ها هو بعد سنوات يحرّك ما بقي من ضميره ليعترف بخطأ ما ارتكبت يداه. لا داعي طبعا لأن نسأل لماذا لم تتقدم جامعة الدول العربية أو أي طرف عربي آخر حتى اليوم بشكوى لمحاكمة بلير وبوش بتهمة قتل مئات الآلاف الأطفال والابرياء العراقيين. الضرب في الميت حرام. نعرف جميعا ماذا كانت اهتمامات الجامعة في سنوات خريف الدم.

الرباعية المذكورة (أي أميركا وروسيا والاتحاد الاوروبي والأمم المتحدة) أصدرت قبل أيام قليلة تقريرها بعد تأخير ارتبط ربما بلقاء وزير الخارجية الاميركي جون كيري مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

يتبين وفق الوثائق، ان نتنياهو نجح في اقناع الرباعية بان يكون «التحريض الفلسطيني على العنف أولوية»، وفرض تخفيف اللهجة حيال المستوطنات (بالأحرى المستعمرات)، كي لا يقال انها تخالف القانون الدولي، ومنع الرباعية من وصف عنف المستوطنين بالارهاب، ومنعها من ربط الخلاصات بأي آلية توصل الى مجلس الأمن، وأجبرها على ان تُضمِّن نص التقرير فقرة تؤكد على ان الاتفاق على الوضع النهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين يتم على نحو مباشر وليس من خلال أي مجموعة دولية.

يقال إنه فعل كل ذلك خشية ان يُقدم حليف بلاده وعدوه الشخصي الرئيس باراك أوباما على ترك توصية (أو وديعة) قبل انتهاء ولايته تقضي بالحل على أساس الدولتين وتكون مرجعيتها مجلس الامن.

كما ان نتنياهو ساهم في تمييع «المبادرة الفرنسية» مستندا الى تحفظ عدد من قادة أوروبا عليها، بينما سعى الرئيس الفلسطيني محمود عباس الى دعمها حتى داخل الاتحاد الاوروبي.

أين الخطر في الموضوع؟

من يدقق في بعض وثائق الاجتماعات الاوروبية والرباعية والفرنسية، يلمس فكرة جديدة وخطيرة، يجري التسويق لها حاليا، وقد يزداد خطرها في المرحلة المقبلة. فحين يتحدث كل هؤلاء عن «المبادرة العربية للسلام» التي طرحها ولي العهد السعودي (الملك لاحقا) عبدالله بن عبد العزيز في قمة بيروت ٢٠٠٢، انما يشيرون الى ضرورة فتح وتعزيز التعاون الأمني والاقتصادي الإقليمي مع اسرائيل. يفترضون ان ذلك من شأنه أن يُشكِّل حافزا للحكومة الإسرائيلية لتقديم تنازلات سياسية. هذا نسفٌ واضحٌ للمبادرة العربية التي اشترطت لاقامة علاقات «طبيعية» (وهي فذلكة لكلمة تطبيع) مع إسرائيل، ان تقوم الأخيرة بما هو مطلوب منها لناحية الأراضي والسلام.

موغريني لعباس: عدّل المبادرة

في المعلومات، ان الممثلة العليا للاتحاد الاوروبي فيديريكا موغريني طلبت صراحة من الرئيس محمود عباس حين استقبلته في أواخر الشهر الماضي تغيير أولويات المبادرة العربية بحيث تكون الاولوية لعلاقات عربية وإسلامية مع إسرائيل في اطار التعاون الإقليمي، ما سيشجعها على التقدم صوب الحل السياسي. (وهي بالمناسبة المبادرة التي قال عنها مجرم الحرب آرييل شارون، انها لا تساوي الحبر الذي كتبت فيه وقتل الرئيس الشهيد ياسر عرفات بعدها مباشرة بالسم).

كما ان الرباعية رحبت بدعوة الرئيس المصري للقادة الاسرائيليين والفلسطينيين لاقتباس المسار التاريخي نحو السلام الذي سطرته مصر وإسرائيل قبل ٣٧ عاما… على أساس طبعا ان انهاراً من لبن السلام وعسل المحبة تدفقت مذّاك حتى اليوم، وان إسرائيل ارتدعت ونثرت الورود على غزة ولبنان وأطفال فلسطين ومستشفياتها بعد ذاك المسار الساداتي.

أما الخطر الثاني، فهو اختفاء «حق العودة تماما» من أدبيات العالم الأطلسي والرباعي والاوروبي والروسي والاممي. ففي خلال زيارة أبو مازن الى بروكسل التي وازاها الاوروبيون بدعوة الرئيس الإسرائيلي، قالت موغريني بغرابة لافتة نظر الرئيس الفلسطيني: انه ربما سيكون مفيدا ادخال تعديلات على المبادرة العربية وعدم التمسك بها كما وردت قبل ١٤ عاما.

اقترحت تعديل حق العودة بدلا من التعلق بالقرار ١٩٤ الذي لن تنفذه إسرائيل. اجترحت جملة تقول بـ «حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين»، شارحة كيف ان المناخ العربي الإسرائيلي يتحسن حاليا وأن ثمة فرصة نادرة لتعزيز التعاون العربي الإسرائيلي.

كيف لا تقول ذلك، وفي أروقة الاتحاد الاوروبي تأكيدات كثيرة على أن مسؤولين عربا ابلغوا نظراءهم الاوروبيين القبول بمثل هذا الاقتراح، وذهب بعضهم الى حد القول إن الفكرة طُرحت أصلا في قمة بيروت ولكن اعتراض لبنان وسوريا عليها عرقلاها آنذاك.

لا شك ان اللوم لا يُلقى لا على الرباعية ولا على الاتحاد الاوروبي وفرنسا ولا على روسيا، فالانفتاح العربي الكبير حاليا على إسرائيل، يجعل الغرب الأطلسي وكذلك موسكو يقولان: «لماذا نكون ملكيين أكثر من الملك». واذا كانت الرباعية حمّلت حركة حماس وبعض قادة فتح مسؤولية «التحريض على العنف ضد إسرائيل»، واحصت ٢٥٠ «اعتداء» او «محاولة اعتداء» على «المستوطنين الأبرياء»، فان المناخ العام يوحي بتمييع القضايا الكبرى للصراع، وبأن ثمة إعدادا دوليا وعربيا للاتيان بقيادة فلسطينية جديدة تقبل ما يرفضه غيرها، بالرغم من ان غيرها لم يرفض الكثير. فالمطلوب الآن مؤتمر دولي للسلام في نهاية العام الحالي… ان لم تعرقله إسرائيل، وهي ستفعل وستنجح، فانه سيمهد لا شك للقضاء على ما بقي من فلسطين. علمتنا التجربة انه كلما عُقد مؤتمر، ضاع من فلسطين قسم.

يبقى ان الاوروبيين ومهما رضخوا لضغوط إسرائيل وأميركا وامتنعوا مثلا عن الحديث عن المحفّزات الاقتصادية، لان إسرائيل تعتبر ان هذا يخدم الفلسطينيين وانها ليست بحاجة الى هكذا محفزات، فان بعضهم يبقى لا شك أفضل بكثير من أميركا والتصاقها الاعمى بآخر نظام عنصري في العالم. بعض الاوروبيين اعترف بالدولة الفلسطينية ويكثف مقاطعة بضائع المستوطنات.

احتواء مزدوج لايران والخليج

في المعلومات، أيضا، أن دولا أوروبية اعترضت على التخفيف من لهجة الكلام الدولي والاوروبي ضد إسرائيل خصوصا لجهة عدم اعتبار الاستيطان خارقا للقانون الدولي، ووقع خلاف بعيد عن الأضواء بين فرنسا وموغريني المتنافرة معها أصلا حول ملفات كثيرة وبينها ايران وسوريا، وذلك بسبب تعمد المسؤولة الاوروبية عدم الإشارة الى المبادرة الفرنسية في بيان الاوروبيين قبل يومين. كما شددت دول أوروبية، وبينها فرنسا وإيطاليا واسبانيا، على ضرورة التركيز على المبادرة العربية وخصوصا ما يتعلق منها بالسلام الشامل. يبدو ان موغريني لا تريد إغضاب إسرائيل واميركا، لذلك تهمش المبادرة الفرنسية. كما ان بعض الاوروبيين راحوا يقولون في الجلسات المغلقة ان الضغط الاميركي هو الذي يجعل البيانات ضعيفة وهشة.

يشار الى ان الموضوع الايراني ايضا يشكل محور تباينات، لكن الجميع متفق على ضرورة الاحتواء المزدوج لإيران ودول الخليج والموازنة في الانخراط الاوروبي بينهما حتى ولو ان ثمة من لا يزال يتحدث عن القلق من انحرافات في حقوق الانسان في ايران. ويعمل الاوروبيون حاليا على محاولة التقريب بين ايران والسعودية ودول الخليج، وقد لا يتأخر وفد أوروبي رفيع عن زيارة طهران قريبا مستفيدا من مرحلة الانشغال الاميركي بالانتخابات. يحدو الاوروبيين أمل في أن يغيروا اتجاه ايران المناهض لإسرائيل بالرغم من ادراكهم صعوبة ذلك.

كادت صورة إسرائيل تصل الى أسوأ مراحلها في أوروبا لولا مد اليد العربية اليها خلال خريف الدم العربي. فلماذا لا يساق ما بقي من النظام العربي اذاً كالنعاج صوب القبول بالتهويد والمستوطنات وبفتات ما بقي من فلسطين وبإلغاء حق العودة، طالما ان عباس نفسه لا يستطيع التحرك الا باذن إسرائيلي؟