IMLebanon

لبنان في أعلى المراتب الدولية وأدناها

 

 

حلَّ لبنان أخيراً في المرتبة الأولى بحسب تصنيف البنك الدولي، في التضخّم العالمي في كل مؤشرات الأسعار الغذائية وارتفاعها المستدام والمخيف. فجاء في مقدمة البلدان أمام فنزويلا، الأرجنتين، زيمبابوي، إثيوبيا وسريلانكا، جرّاء هذا التضخم الكارثي بأسعار المواد الغذائية الأساسية.

يربض لبنان اليوم في أدنى المراتب الدولية، وفق التصنيفات العالمية، ولا يزال يحفر في عمق الأزمة، من دون أي إستراتيجية إنقاذية وحتى إرادة سياسية حقيقية، ويحلّ في أعلى المراتب، في التصنيفات السلبية، وفي أدنى المراتب بين البلدان المتعثّرة.

 

إن لبنان الذي حلّ في المرتبة الأولى في التصنيف العالمي، تخطّى تضخّم الأسعار الغذائية فيه أكثر من 122 %، أما زيمبابوي التي حلّت في المرتبة الثانية فسجلت تضخُّماً بنسبة 52 %، هذا يعني أن التضخُّم في لبنان أكثر من مرتين ونصف المرة حيال البلد الذي حل في المرتبة الثانية. وبكل موضوعية وشفافية وواقعية، إننا نتجه نحو الأسوأ من دون أي إدارة وضوابط لهذه الأزمة التاريخية.

 

هذه الأزمة التي لم يشهد لبنان مثيلاً لها منذ الحرب العالمية الأولى، ستشتد وسيواجه الشعب والإقتصاد تحديات كبيرة متعلقة بأسعار النفط والمشتقات النفطية، وتأمين أدنى الحاجات الأساسية والغذائية في هذا الجو الإنحداري.

 

إن ارتفاع التضخم مبنيّ على ثلاثة عوامل أساسية هي:

العامل الأول، هو ماكرو إقتصادي، ويتعلق مباشرة بجائحة كورونا التي ضربت كل إقتصادات العالم، وأوقفت عقارب التبادل التجاري، وسلاسل التوريد، وأدت إلى إرتفاع كل أسعار المواد الأولية والصناعية، وإرتفاع زيادة الطلب ومنها إرتفاع أسعار كلف الصناعة والنقل والمواد الأولية، والتي أدت بدورها إلى إرتفاع أسعار المبيع وخصوصاً السلع الغذائية الأساسية.

 

أما العامل الثاني، فيتعلق مباشرة بالحرب القائمة بين روسيا وأوكرانيا في عمق أوروبا، والتي أدّت من ناحيتها إلى إرتفاع كل أسعار سائر المشتقات النفطية، (الغاز، البترول وغيرها)، وخصوصاً التضخم في أسعار الموارد الطبيعية والزراعية، مثل القمح وغيرها، والتي تُصدّر أساساً من هذه المنطقة الغنية.

 

أما العامل الثالث والأصعب فهو إنهيار العملة الوطنية، وإرتفاع سعر صرف العملات الصعبة وخصوصاً الدولار في السوق السوداء، المتفلّتة من أي ضوابط ومراقبة، والتي أدت إلى تدهور القيمة الشرائية للعملة الوطنية، إلى أكثر من 95 % من قيمتها.

 

أما لبنان فيستورد أكثر من 80 % من حاجاته أكانت مواد غذائية أو أولية، للصناعات الغذائية والمأكولات، ويحتاج أيضاً إلى إستيراد الماكينات وتأمين صيانتها وكل الأموال التشغيلية بالعملة الخضراء، لتأمين الدورة الصناعية بأسعار هائلة.

 

هذا يعني أن لبنان يعيش ويُواجه أزمة كارثية حيال تضخُّم أسعار المواد الغذائية الناتجة عن عوامل دولية إقليمية، لكن خصوصاً داخلية، ولا ضوابط للحدّ من هذا التضخم وإرتفاع الأسعار وتراجع نسبة العيش، والقيمة الشرائية، ولا سيما المواد الغذائية الأساسية للشعب اللبناني المرهق والمنهوب.

 

في ظل الإستحقاقات المقبلة والمصيرية للبنان، نتخوّف من أن بعض الأيادي السود تتحرك لمضاعفة الأزمة عبر إرتفاع سعر الصرف في السوق السوداء، وزيادة التضخّم الجامح الجاري، لضرب التوازن الإجتماعي، لأهداف سياسية، وضغوط داخلية. ففي وقت أحرز فيه لبنان المرتبة الأولى في الفن في الولايات المتحدة، عبر فرقة «ميّاس» كما أحرز لقب المركز الثاني للمرة الرابعة في تاريخ مشاركته في الحدث القاري في كرة السلّة، (حلّ لبنان أخيراً وصيفاً لبطل آسيا بكرة السلّة بجدارة)، فيما يحلّ في المراتب الدنيا في التصنيفات الإقتصادية والإجتماعية الدولية. لكن شعبنا الشجاع لم ولن يستسلم، ولن يجوع، ولن يموت، وسيصمد ويُكافح ويُثابر لإعادة بناء، ليس فقط بلده وإقتصاده، لكن حياته بالكرم والعزّ والإنسانية والمحبة والإحترام.