IMLebanon

العلاقات الدولية علمٌ وليست إستنساباً وإستغلالاً وغدراً

 

العلاقات الدولية هي فرع من فروع العلوم السياسية، يدرس دور الدول والتحالفات الدولية والمنظمات غير الحكومية. لذلك تُعتبر دراسة العلاقات الدولية إعدادًا ممتازًا للعمل في الخدمة المدنية والديبلوماسية والعمل السياسي. ليعلم كل من يتعاطى الشأن العام في لبنان، والبعض منهم يتعاطى الأمر بالإنابة عن مسؤول أتى به إلى جنّة السلطة في غفلة من الزمن، أنّ العلاقات الدولية عملية قديمة راودت المفكّرين السياسيين والحكّام منذ العصور الأولى، ولها أسبابها الموجبة وتعديلاتها التي وضعتها موضع التنفيذ. وليعلم بعض السياسيين، أنّ العالِم «لجروسيوس»، أبدى حرصه على إيجاد نظام عمل للعلاقات الدولية، يقوم على الإتفاقات التقليدية بين الدول التي تحفظ لها حقوقها التامة في السيادة بما فيها حق إشهار الحروب. وللسياسيين الجهلة طالعوا هذا المرجع: Robert Mac Ever : The Web government، وقد ترجمه إلى العربية الدكتور حسن صعب تحت إسم: «تكوين الدولة».

إنّ جوهر فكرة العلاقات الدولية إستنادًا إلى علم السياسة يكمن في أنّ هذه العلاقات بين الدول تكون أكثر سلمًا وإحترامًا وعدلاً وأعمق أمنًا وأشمل تعاونًا، هذا إذا كانت هذه العلاقات تجري من خلال قنوات ديبلوماسية منتظمة، أي ضمن جهاز ديبلوماسي رسمي منظّم محترم، لا كما هو قائم في بعض الدول العربية التي تستعدي إستنسابيًا وغُبّ الطلب وبالإنابة وبالتكليف الشرعي على سبيل المثال ولا الحصر. إنّ التنظيم الدولي يُعنى بحلّ المشكلات وتحقيق التعاون، ولا يتصوّر قيامه بهذا الدور بنحو ملائم وفعّال إلاّ بوجود هيئة منظّمة دائمة يتمّ من خلالها وعن طريقها العمل على تحقيق ذلك. وإنطلاقًا من هذا الأمر فإنّ المنظمة الدولية هي مقتضى جوهر فكرة العلاقات الدولية، بالإضافة إلى أنّها تقدِّمْ لكل باحث الدليل الخارجي أو الظاهر على وجود هذا التنظيم. في البلدان المسيطر عليها ديكتاتوريًا وبصيغة التبعية، هذه الشروط الديبلوماسية المُشار إليها غير متوافرة وتُسبِّبْ كثيراً من المشكلات في العلاقات بين دولة وأخرى.

 

إنّ العلاقات الدولية في العالم كله ليست إلاّ ثمرة جهود فكرية وسياسية متباينة بذلها العلماء السياسيون والفقهاء ورجال السياسة منذ القدَمْ، للإدراك الإنساني لأهمية هذه العلاقات الدولية وفائدتها. وقد ساعدت في ظهور هذه المساعي والجهود والقوانين، كذلك ساعدت في إشتداد الحماس لما تعرضّت له البشرية من حروب عدة تمكّنت من القضاء على الملايين من الأبرياء. للسياسيين الحاليين ومَن إنتدبهم إلى المراكز الأولى في الجمهورية اللبنانية، صدر عن المركز العربي للأبحاث في هذه السنة كتاب للباحث محمد حمشي تحت عنوان: «مدخل إلى نظرية التعاقد في العلاقات الدولية»، وهذا الكتاب وفقًا لمضمونه ومفاهيمه ونظرياته، يشكّل جزءًا من النقاشات السائدة في علم السياسة، ويستعرض الكاتب في أحد فصول كتابه الإشكالات السلبية في العلاقات بين الدول، ليشير إلى أنّ البحث في الفشل الذي تعانيه مساعي الوصول إلى نظرية مقبولة في العلاقات الدولية في شأن أسباب سوء العلاقة، ينبغي أن يعتمد مقاربة ما وراء منظومة معينة، كما ينبغي إطلاق الدعوة من سلطة موحّدة كجامعة الدول العربية مثلاً أو مجلس الأمن، إلى مساءلة موضوعية لمفهوم السبب في حدّ ذاته وللطريقة التي يجري فيها التفكير في شأن المسألة السببية، بدلاً من الإستمرار في فحص التصريحات المتضمنة في المداخلات التي تناقش مضامين الأسباب كل على حدة… وتنطلق هذه المساءلة من الإفتراض بأنّ منطق الفشل الذي تعانيه مساعي الوصول إلى نظرية مقبولة في شأن أسباب سوء العلاقة لا يكمن في مضمون السبب الذي يحدّده باحث ما في شأن ظاهرة سوء العلاقة أو غيرها من الظواهر، لكنه يكمن في تصوره المسبق لمفهوم السبب في حدّ ذاته. من هنا الملاحظ، أنّ معالجة سوء العلاقة مع الدول العربية المستجدة تتطلب الجرأة في تحديد مسببات سوء هذه العلاقة ومدى تأثيرها على الواقع اللبناني.

 

إنّ العلاقات الدولية بين الدول تأخذ طابع التعاون Cooperation غير أنّ هذا التعاون وإن ترتّب عليه كثير من المشكلات الظرفية، يترتّب عليه كثير من المساوئ، ولعلّ أهم هذه المساوئ قاطبة يتمثل في بروز ظاهرة التبعية والإرتهان، وكذلك التسبُّبْ بأزمة علاقة بين دولة وأخرى. هذان الأمران كثيرًا ما يدفعان إلى إندلاع المشكلات أو الحروب، سواء للحصول على مصادر الثروة أو للحصول على أسواق معينة أو لإستعمال وطن ما كورقة إبتزاز في مفاوضات محتملة، وهذا ما يواجه العلاقات اللبنانية مع الدول العربية وبقية دول المجتمع الدولي، من دون إعتداد بالنتائج التي ترتّبت على العلاقة بالنسبة الى الجمهورية اللبنانية وبقية الدول. إنّ مصلحة لبنان وعلاقاته الدولية أصبح من اللازم تنظيمها وتحقيقها في إطار العلاقات الدولية، بحيث يمكن تجنُّبْ مساوئ بعض الخطابات والتصرفات التي تأتي من بعض ممارسي الشأن السياسي، بالإضافة إلى توفير إمكانية خاصة لحلّ هذه المشكلة التي يصعب، إنْ لم يعتذر مسؤول ما على ما فعله من سوء، أن يتوافر لها حلاً ملائماً. وتأسيسًا على ذلك، فإنّ حل مشكلة كالتي نحن فيها في ظلّ تنظيم دولي ملائم وفي إطار منظمات دولية معينة، يشترط مطلبين نختصرهما بالآتي:

 

1- العودة في العلاقات الديبلوماسية بين لبنان وسائر الدول على قاعدة إتفاقية فيينا للعلاقات الديبلوماسية عام 1961، وهي إتفاقية دولية تحدّد الإجراءات والضوابط الخاصة بالعمل الديبلوماسي بين الدول، وتبيِّنْ الحقوق والواجبات الخاصة بأفراد البعثات الديبلوماسية، كما أتت على تحديد مفاهيم عدة كالحصانة الديبلوماسية وقطع العلاقات.

 

2- إتخذت دول الخليج العربي، على ما يبدو، موقفًا تصادميًا مع الجمهورية اللبنانية، ووفقًا لكل المعطيات التي باتت متوافرة عبر قنوات ديبلوماسية، إنّ هذه الدول قد تضطّرْ إلى الإستغناء عن بعض اللبنانيين من ذوي التوجّهات السياسية المعينة، وهذا الأمر سينعكس سلبًا على الواقع الإقتصادي ـ المالي ـ الإجتماعي في لبنان، وسيتسبّب في أزمة ركود كبيرة في ظل وضع إقتصادي سيئ جداً ولا إمكانية في الأفق لحلحلة هذه المعضلة، لذا بات من الضروري وللأسباب الموجبة، النظر في إمكانية توفير حل للمشكلة والتقلّبات في العلاقات بين الجمهورية اللبنانية وسائر دول العالم بما فيها الدول العربية. والحل يجب أن يكون في إطار منظمات دولية، من شأنها إعادة الأمور إلى نصابها، شرط أن تتقيّد الجمهورية اللبنانية بالضوابط القانونية في العلاقات الدولية، لأنّ هذه العلاقات ترتكز على العلم وليست علاقات إستنساب وغدر وغُبَّ الطلب؛ وللبحث صلة.