تساءل بعض من المقربين إلى محور المقاومة عما ذكّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بضرورة احترام لبنان القرار الدولي الرقم 1559 الذي ورد في البيان المشترك الذي صدر عنهما عقب اجتماعهما في 4 كانون الأول. فهذا البعض يرى أن هذا القرار بات في طَي النسيان الذي صدر في 2 أيلول من العام 2004، ونص على انسحاب القوات الأجنبية ونزع سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وحلها لمصلحة حصر السلاح بيد السلطة الشرعية.
وهو ذهب إلى غياهب النسيان بعدما أقفل البحث بتنفيذ مقررات مؤتمر الحوار الوطني الذي انعقد في العام 2006، وبين تلك المقررات نزع سلاح المنظمات الفلسطينية الذي تعهد في حينه الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله السعي إلى التمهيد لتطبيق هذا البند مع الفصائل الفلسطينية الحليفة لدمشق، لكن الأخيرة رفضت وكذلك القيادة السورية، ثم وقعت الحرب الإسرائيلية على لبنان في تموز من العام نفسه فطغت تفاعلاتها على استكمال النقاش في شأن ما تقرر، وانطفأت محاولات مناقشة سلاح الحزب في إطار الاستراتيجية الدفاعية التي كان يفترض أن تُستأنف قبل اندلاع تلك الحرب.
واقع الأمر أن رافضي حصر السلاح بيد الشرعية وخصوصاً الحزب كانوا أساساً يراهنون على عامل الوقت وعلى القدرة على المناورة، من أجل الاحتفاظ بالسلاح لأهداف إيرانية سورية بحتة في ذلك الحين. اللعب على عامل الوقت نجح في تأجيل “الحوار الوطني” حول هذا البند الذي فرضه الموقف الدولي، والتغيير في موازين القوى إثر انسحاب الجيش السوري من لبنان تنفيذاً لهذا القرار وسعي قيادات قوى 14 آذار في حينها إلى تجنب التوتر مع الحزب وانعكاسات هذا التوتر على السلم الأهلي بترك مسألة سلاح المقاومة للحوار الداخلي.
نتائج حرب تموز من جهة، ثم تنفيذ الحزب لغزوة 7 أيار 2008 من جهة ثانية معطوفة على حملة الاغتيالات ضد رموز 14 آذار دفعت إلى وضع المطالبة بتنفيذ هذا القرار جانباً. حلت معادلة الجيش والشعب والمقاومة مكان الاتفاق عَلى وجوب التوصل إلى الاستراتيجية الدفاعية كوسيلة لبنانية وفاقية لتنفيذ القرار بإرادة وإخراج لبنانيين ترك المجتمع الدولي للبنانيين صياغتها وبلورتها مراعاة لهواجس الخوف من الاقتتال الداخلي. وباتت البيانات الوزارية تتجاهل هذا القرار وتكتفي بتأكيد التزام لبنان القرار 1701 فقط. لكن المعنيين نسوا أن القرار 1701 نفسه، يستند، كما في كل القرارات الصادرة لاحقاً إلى القرار 1559 نفسه. كان الأمر أشبه بدفن الرؤوس بالرمال.
وإذا كان صحيحاً أن انقلاب ميزان القوى الداخلي تدريجاً كان لمصلحة تغييب هذا القرار فإن الصحيح أيضاً أن هذا التغييب كان يعني أيضاً أن مراهنة بعض المعترضين على الإفادة من هذا السلاح عبر الاستراتيجية الدفاعية في ميزان القوى بمواجهة اسرائيل وفي التفاوض على حفظ حقوق لبنان في أي تسوية شاملة قد خابت كلياً. والسبب أنه في الطريق إلى تحقيق هذا الطموح اقتصرت تلك الإفادة على إيران وحدها لاستخدامها إياه في توسعها الإقليمي، وفي الاستفادة من سطوته في الداخل اللبناني من أجل قلب الموازين الداخلية في السلطة لتسهيل تشريع وتغطية الاستخدامات الإقليمية لهذا السلاح في سوريا واليمن ودول الخليج، تارة باسم الدفاع عن لبنان في مواجهة إسرائيل وأخرى باسم محاربة الإرهاب، وإكراه أكثرية اللبنانيين على التسليم بأن لا حول ولا قوة لهم في تدفيعهم ثمن تحول الحزب كذراع إيرانية إلى قوة إقليمية لها وظيفة بعيدة عن مواجهة إسرائيل وعن مكافحة الإرهاب.
هكذا بات الحزب يقارع مواطنيه اللبنانيين حول الاتفاق المفترض مع صندوق النقد الدولي من زاوية مدى تأثير هذا الاتفاق على سطوة سلاحه على السلطة السياسية، إذا كان مطلوباً منها ضبط الحدود لزيادة مداخيل الدولة لخفض العجز المالي. وصار الحزب يضع الشروط على المساعدات الدولية الاقتصادية إذا كانت تشترط تغييرات في أدائها في شكل يضعف حلفاءه فيها لأنها تضعف سطوته.
وهكذا ساهم أداء الحزب الاستعلائي في الداخل، وتوليه وظيفة إقليمية فوق قدرات السلطة والقوى الحليفة له، على تغطية ممارساته، في إحياء القرار 1559. فقد تحول مضمونه إلى حاجة داخلية وإقليمية، هذا فضلاً أن الكثير من القرارات الدولية التي تبقى حبراً على ورق لسنوات وعقود تبقى حسب التجارب التاريخية قانوناً يعود إليه الذين شرعوه عندما يحين وقته، خصوصاً إذا كان تسلسل الأحداث يتكفل بالتذكير به. وآخرها انفجار مستودع الذخيرة في مخيم البرج الشمالي.