لبنان اليوم أصبح دولة محكومة بتعليق تنفيذ القرارات الدوليّة. ولكن ذلك لن يكون إلى ما لا نهاية له. والدليل في ذلك أنّ القرار 425 في نهاية المطاف وباعتراف العدوّ الإسرائيلي كان الاحتكام إليه سيّد الموقف. وهذا ما يثبّت فعاليّة القرارات الدوليّة، لكن تبقى الاشكاليّة في خريطة الطريق التي ستؤدّي إلى تطبيقها. فهل سيستطيع اللبنانيّون إيجاد هذه الخريطة للوصول إلى تنفيذ القرارات الدوليّة المتعلّقة بسيادة بلدهم؟
بحسب الترتيب الزمني، القرارات التي نتحدّث عنها هي القرار 1559 الذي ينصّ على تسليم كلّ الميليشيات سلاحها وحلّها، والقرار 1680 الذي ينصّ على ترسيم الحدود مع سوريا، والقرار 1701 الذي ينصّ على منطقة عازلة من جنوب الليطاني حتّى الحدود الجنوبيّة تكون منزوعة السلاح ولا وجود فيها لـ”حزب الله” أو أيّ فريق مسلّح، وعلى استعادة الدولة سيادتها على كامل أراضيها. هذه القرارات الثلاثة لا يمكن تطبيقها تحت البند السابع لأنّها حتماً ستتسبّب بصدامٍ لبنانيّ – لبنانيّ بسبب انقسام الشعب اللبناني بطريقة عموديّة بين مشروعين كيانيّين.
من هذا المنطلق، يجب العمل على بلورة خريطة طريق توصل في نهاية المطاف إلى تطبيق نهائي لهذه القرارات لاستعادة الدّولة هيبتها وسيادتها. وبحسب تراتبيّة هذه القرارات لا يمكن إلا وان تطبّق كما تمّ إقرارها. فأهميّة القرار 1559 تكمن في أنّه يُثبِّت نهائيّة الكيانيّة اللبنانيّة، ويُعِيدُ إلى الدّولة ما نجحت بسلبه منها الميليشيات المسلّحة مع المنّظمات الخارجة عن سلطة الدولة وأوّلها “حزب الله”.
وذلك لأنّ الخطورة في هذا الموضوع باتت تتعدّى مجرّد فريق مسلّح من خارج الأطر الشرعيّة حتّى بات هذا الفريق يؤسّس لدولته التي بلورها في عقيدته منذ تأسيسه في العام 1982. هذه الدولة التي تشبه الجمهوريّة الاسلاميّة في إيران في اقتصادها وثقافتها وحضارتها. ولقد أوكِلَت هذه المهمّة إلى الحرس الثوري الإيراني الذي يعمل بوساطة “حزب الله” ليمكّنه أكثر فأكثر من السيطرة على دولة لبنان. وما هيمنة جماعة الحرس الثوري إلا لتدمير الدولة اللبنانيّة بهدف جعلها قاعدة لهم على المتوسط ينطلقون منها لتهديد الغرب والشرق على السواء.
ولقد أيقنت الجمهوريّة الاسلاميّة في إيران أنّ القوّة النّاعمة هي الوسيلة الأنجع معطوفة على الديمقراطيّة الموجّهة بقوّة السلاح ووهجه، للتوصّل إلى تكوين قدرة دستوريّة من داخل مؤسّسات الدولة للإنقضاض عليها وتحويلها بقوّة القانون إلى جمهوريّة على شكل الجمهوريّة الاسلاميّة في إيران، ركيزتها الأساسيّة كيانيّة لا تشبه الكيانيّة اللبنانيّة بشيء، قوامها نظريّة ولاية الفقيه الأيديولوجيّة التي لا تمتّ إلى الشيعيّة اللبنانيّة بأيّ صلة.
ويقين الحزب أنّ الاستثمار العقائدي الذي زرعه طوال أربعة عقود في المكوّن الحضاري الشيعي سيؤتي ثماره في هذه الانتخابات النيابيّة ليستكمل مشروعه. وهنا خطورة الموضوع. إن لم يعِ اللبنانيّون ذلك فسيخسرون حتماً لبنانهم الذي ما عاد يشبههم بحلّته الإيرانيّة اليوم. وهنا تكمن أهميّة هذه الانتخابات النيابيّة في كونها تستطيع أن تشكّل الحاجز المنيع بوجه المخطّط الإيراني لتبديل وجه ووجهة وهويّة لبنان الكيانيّة.
على أنّ نجاح الفريق السيادي في هذه الانتخابات لا يقف فقط عند حدود تحصيله أكثريّة عدديّة في المقاعد النيابيّة، بل يتعدّاها إلى قدرة هذا الفريق على تشكيل جبهة سياديّة – سياسيّة لأنّها وحدها تستطيع الوقوف بوجه المدّ الإيراني العقائدي الزاحف إلى قلب الدولة اللبنانيّة، الذي بدأ على متن قارب تفاهم مار مخايل في 6 شباط 2006. ولعلّ أبرز مهام هذه الجبهة أن تشكّل حكومة وفق البنود التي أقرّتها المبادرة الكويتيّة التي تشكّل بدورها مدخلاً للوصول إلى تطبيق القرار 1559.
كذلك المشروع الذي طرحه البطريرك الماروني من خلال إقامة مؤتمر دوليّ لمساعدة لبنان في كلّ النواحي، بهدف الوصول إلى إقرار حياده النّاشط بضمانة الأمم المتّحدة. وهذا المؤتمر بدوره سيكون هو أيضاً مدخلاً لتطبيق القرار 1559، حيث فشلت الحكومة بتطبيق مقررات مؤتمر سيدر التي كانت لتشكّل هي أيضاً المدخل نفسه.
ولن يكون ذلك ممكناً إلا بأن تتقدّم هذه الجبهة بطلب مباشر من الأمم المتّحدة ودول القرار لتطبيق الـ 1559، وهذا ما سيسهّل القرارات الباقية لأنّها ذات صلة بهذا القرار، وبالتّالي تشكّل استكمالاً له لاستعادة السيادة على الدولة اللبنانيّة. لكن يجب أن يعي اللبنانيّون جميعهم أن لا أحد مستعدّاً بأن يضحّي عنهم أو في سبيل خلاصهم ما لم يخلّصوا هم أنفسهم بأنفسهم. والخلاص الحقيقي يبدأ من الورقة التي سيضعونها في صندوقة الاقتراع في 15 أيّار الجاري.