Site icon IMLebanon

هدف «الحزب» المرحلي: الاختفاء العسكري والتعويض السياسي

 

مشاركة “حزب الله” السياسية مشروطة بالتزامه ثلاثية الدستور، القرارات الدولية، ونص اتفاق وقف النار

 

يُدرك «حزب اللّه» في قرارة نفسه أن دوره العسكري انتهى، أو أن هذا الدور في وضعية المجمّد بانتظار أن تَعبُر «الغيمة السوداء» التي يعتقد أنها ستعبُر، ولكن هذه المرة لن تَعبُر، وبالتالي مع فقدان دوره العسكري يريد التعويض سلطوياً أو أن يواصل إمساكه بمفاصل السلطة بدءاً برئاسة الجمهورية.

 

 

 

اعتاد محور الممانعة بكل فصائله الانحناء أمام العواصف الدولية بانتظار اللحظة التي تسمح له بالعودة إلى المسرح السياسي مجدداً، وهذا ما حصل في الأعوام 1982 مع خروج منظمة التحرير الفلسطينية وانتخاب بشير الجميل رئيساً للجمهورية، و 1989 مع إقرار اتفاق الطائف برعاية غربية وعربية، و 2005 مع خروج الجيش السوري تطبيقاً للقرار 1559، و 2006 مع حرب تموز والقرار 1701، ويعتقد أن العاصفة الأخيرة ستمرّ والتركيز لا بدّ من أن ينتقل إلى أزمات أخرى، ولكنها لن تمرّ.

 

وما يخطِّط له «حزب الله» في هذه المرحلة مزدوج، أي أن هدفه المرحلي مزدوج:

 

أولاً، أن يختفي عسكرياً تحت الأرض من دون أن يسلِّم سلاحه للدولة ولا أن يعيده لإيران، لأنه يريد تجنُّب استفزاز إسرائيل واستدراجها إلى مواجهة في غير مصلحته، وبالتالي سيختفي بانتظار ظروف جديدة.

 

ثانياً، أن يُحافظ على أوراقه السياسية فوق الأرض، خصوصاً أن ميزان القوى السياسي لم يتبدّل، ويستطيع بواسطته، أو يحاول أقله، أن يواصل ربط النزاع حول سلاحه ودوره، وهذا ما يفسِّر عدم إقدامه على مراجعة أو اعتذار ورفضه التسليم بالأمر الواقع الذي وقّع عليه في الحكومة التي يدين  معظمها بالولاء له.

 

 

 

وليس تفصيلاً أن ينتهي «حزب اللّه» عسكرياً وأن يحافظ على وضعيته سياسياً، فيما المنطق البديهي يقول إن الهزيمة العسكرية يفترض أن تترجم بهزيمة سياسية أو أقله بتغيير النهج السياسي، وأن تكون مشاركته السياسية مشروطة بالتزامه سقف المرحلة الجديدة وطنياً، خصوصاً أن موافقته على وقف إطلاق النار وتوقيعه على نص الاتفاق، يعنيان تسليمه بثوابت المرحلة الجديدة.

 

فلا يجوز أن تكون أي سلطة جديدة استمراراً لما عرفه البلد منذ خروج الجيش السوري من لبنان، وهذا لا يعني إقصاء «حزب اللّه» عن المشاركة السياسية والتي هي حقّ من حقوقه، لكن هذه المشاركة يجب أن تكون مشروطة بالتزامه العملي بالثلاثية المترابطة والمتداخلة والمتكاملة: الدستور، القرارات الدولية، ونص اتفاق وقف إطلاق النار.

 

 

 

فالتعايش بين منطقين ومشروعين انتهى في 27 تشرين الثاني 2024، وأي سلطة جديدة يجب أن تكون ملتزمة بثلاثية الدستور والقرارات الدولية ونص وقف إطلاق النار، وما بُني على باطل منذ الانقلاب على اتفاق الطائف في مطلع تسعينات القرن الماضي لا يجوز أن يتواصل فصولاً بعد كل الحروب والموت والدمار والخراب والكوارث، وإذا كان «حزب اللّه» لا يريد الالتزام بصورة فعلية بهذه الثلاثية فعليه أن يبقى خارج السلطة، ودوره في هذه الحالة سيكون غير شرعي.

 

 

 

ويظنّ «حزب الله» أنّ باستطاعته التذاكي على إسرائيل من خلال الاختفاء العسكري، وعلى الولايات المتحدة والمجتمع الدولي من خلال التعاون السياسي بانتقاله من التعطيل إلى انتخاب رئيس للجمهورية، وهدف هذا التذاكي إعادة إنتاج سلطة شكلية تُبقي الدستور معلقاً، وذلك عن طريق انتخاب رئيس للجمهورية بلا لون ولا طعم ولا نكهة، وتكليف رئيس حكومة من الفئة نفسها، وأن يكون «الحزب» جزءاً من حكومة يحوّلها إلى مشلولة في حال قرّرت مقاربة الشأن السيادي.

 

 

 

فمشروع «حزب اللّه» مؤلّف من طبقتين: طبقة السلاح على الأرض، وطبقة السلطة التي تغطّي هذا السلاح، ومع انتقال سلاحه إلى تحت الأرض لا يريد أن يفقد الغطاء السياسي لهذا السلاح والذي يوازيه أهمية، فيما أي سلطة مائعة وخانعة وخاضعة تعني الانقلاب مجدداً على ثلاثية الدستور والقرارات الدولية ونص اتفاق وقف إطلاق النار.

 

 

 

فلا يمكن لأي سلطة جديدة أن تكون على مسافة واحدة من الدولة والدويلة، وأي سلطة من هذا القبيل من الآن فصاعداً يجب أن تحاكم بالخيانة العظمى، فإما أن تكون ملتزمة قولاً وفعلاً بتطبيق ثلاثية الدستور والقرارات الدولية ونص اتفاق وقف إطلاق النار، وإما عدم إنتاج سلطة والذي يبقى الخيار الوطني الأسلم في هذه المرحلة بانتظار الظرف الذي يسمح بقيام سلطة تمارس الدور الطبيعي المطلوب منها، فمرحلة إدارة الأزمات انتهت إلى غير رجعة مع انتهاء الأزمة في 27 تشرين الثاني، والمطلوب سلطة تُدير البلد وفقاً للنصوص المرجعية المحلية والدولية، وبالتالي إما سلطة تطبِّق الدستور، وإما استمرار الشغور.