IMLebanon

«العقوبات الدولية» أحادية وخارجة عن الشرعية

 

 

إزداد في الآونة الأخيرة عدد القرارات الصادرة عن وزارة الخزانة الأميركية وتلك الصادرة عن الإتحاد الأوروبي أو دول أخرى، وتنطوي على تدابير إقتصادية أو سياسية أو مالية… وتفرض على حكومات أو منظمات أو كيانات وأشخاص في أكثر من ثلاثين دولة في العالم بحجة ظاهرها مكافحة الإرهاب والحفاظ على الإستقرار العالمي والديمقراطية… وتتضمن هذه التدابير عددا من القرارات سميت خطأ «عقوبات دولية» وتهدف في الحقيقة الى حماية مصالح الدولة التي قررت توقيع هذه «العقوبات» .

لكن المشكلة الهامة التي اعترضت هذه «العقوبات» كانت ناجمة عن أن ثمة شرعية دولية هي منظمة «ألأمم المتحدة» أناطت بمجلس الأمن وحده حق فرض العقوبات نيابة عن المجتمع الدولي كما نصت عليه «المادة 41» من ميثاق الأمم المتحدة التي تلتزم به جميع الدول الأعضاء.

 

وهكذا فإن العقوبات التي يفرضها مجلس الأمن الدولي تعتبر أقوى الوسائل السلمية لمنع التهديدات التي يتعرض لها السلم والأمن الدوليين.

هذه العقوبات لا تتضمن حق إستعمال القوة العسكرية إلا إذا لم تؤد الى تسوية ديبلوماسية للنزاع، وفي هذه الحالة يصبح من حق مجلس الأمن إستخدام القوة بمقتضى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، «المادة 42» وما يليها من هذا الميثاق.

لكن المشكلة الأهم تكمن في أن هذه «العقوبات الدولية» ومع كونها غير مشروعة تلقى تطبيقا من الدول والأشخاص المعنيين بها.

لذلك من الخطأ الخلط بين العقوبات التي يفرضها مجلس الأمن تطبيقا للفصل السابع من ميثاق «الأمم المتحدة»، وبين تلك التي تفرضها بعض الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأميركية، أو التجمعات الدولية مثل الإتحاد الأوروبي… «فالعقوبات الدولية» هي «أحادية» وتنطوي على «عقاب» وتفرضها الدولة الأقوى حفاظا على مصالحها الإستراتيجية سواء كانت إقتصادية أو ديبلوماسية أو بيئية…

من هنا لا يصح إعتبار «العقوبات الدولية» التي تفرضها الدول الكبرى من خارج صلاحيات مجلس الأمن الدولي، على أنها «عقوبات» بالمعنى القانوني للكلمة. لأن «العقوبة» في الأنظمة العقابية الوطنية تفرض على شخص بإسم المجتمع نتيجة إقترافه جرما جزائيا وذلك بعد محاكمة عادلة وحكم تصدره محكمة مختصة.

وأكثر من ذلك أن «العقوبة» في المفهوم العقابي تخضع لقاعدة «شرعية الجرائم والعقوبات» أي أنه لا يجوز فرض عقوبة من أجل جرم لا يوجد نص مسبق عليهما ومعلومين من أصحاب العلاقة. وهذه القاعدة غير متبعة عند إصدار «العقوبات الدولية» وقد تختلف الأسباب بين دولة وأخرى.

وأخيرا إن «العقوبة» بالمعنى القانوني تخضع لمبدء المساواة أي أنها تطبق على الأشخاص دون تمييز أو تفريق بينهم، في حين أن «العقوبات الدولية» يمكن أن تعتمد قاعدة التمييز بين كيان وآخر مع أن الأسباب تكون هي عينها في المحلين.

من هنا يجب إعتبار «العقوبات الدولية» تدابير «أحادية» لا شرعية لها سوى قرار الدولة التي أصدرتها. وهذه الشرعية مشكوك في صحتها وإن سريان هذه «العقوبات» لا يعود الى كونها شرعية وإنما الى القوة السياسية والعسكرية والمالية التي تملكها الدولة التي فرضت «العقوبة». والمثال على ذلك أن قوة «العقوبات الدولية» تستمد من قوة الدولار الأميركي وليس من شرعية «العقوبة».

إن ما يؤسف له حقا أن الأحلام الكبيرة التي راودت شعوب هذه الأرض غداة انتهاء الحرب العالمية الثانية والتي تحولت الى قيام مؤسسة دولية هي «الأمم المتحدة» محملة بالأفكار السامية رائدها السلم والأمن الدوليين أدت الى تحويرهذه المنظمة العظيمة عن أهدافها بفعل هيمنة الدول الكبرى حيث راحت تستبدل الأفكار الأساسية السامية بحلول بديلةغير مشروعة.

* مدعي عام التمييز سابقاً