IMLebanon

هل من منقذ محلّي – إقليمي – دولي؟

 

 

الويل لجمهورية تستبدل مفكّريها بأغبياء ومثقفيها بجهلة وأبناءها بغرباء، وتبيع أرضها للغرباء ويسعى حُكامها للتغيير الديمغرافي لاستبدال مواطنيها بغرباء يُجنّسون بمراسيم تجنيس تصدر عن أعلى سلطات تحكم خلافًا للنظام الديمقراطي السليم، هذا هو واقع الجمهورية الحالي. إنّ العلم السياسي ومبادئه ضمنا منذ زمن تنظيم العمل السياسي مبدأ دولة القانون وضمنا أيضًا بذلك الحقوق الأساسيّة لكل مواطن. وعلميًا قد وضع بُناة هذا القانون الأساسي منظومة سياسية قوامها سلطة تشريعية قائمة على الديمقراطية. ووفقًا لعلم السياسة إنّ الديمقراطية في الجمهوريات السيّدة على نفسها ليست مجرّد نظام برلماني بل هي رؤية مترامية الأبعاد جذورها ضاربة في مدى إدراك الكرامة لكل إنسان وقيمته وحقوقه التي لا غنى ولا بديل عنها. والديمقراطية الحقّة عليها أن تحترم حقوق كل إنسان التي لا غنى عنها وتحترم قيمته في الحياة العامة وفي كل المجالات.

 

إنّ القانون الذي يحكم الجمهوريات يكتسي طابعًا قانونيًا محليًا ودوليًا، ولا يقف عند مقارنة القوانين في الميادين العلمية وإنما يتعدّاه على وجه الخصوص إلى تبادل الخبرات بين المُشرّعين على المستويات الداخلية والخارجية، وفي أغلب الأحيان كل الجمهوريات تواكب التطورات القانونية من خلال برامجها المتعلقة بجمهورية القانون، هذا الحوار القضائي وتسانده في كل دولة عضو في هيئة الأمم المتحدة أو في جامعة الدول العربية في حالتها المشرقية. ورغم إختلاف الأنظمة من حيث التفاصيل في أغلب الجمهوريات العريقة يضمّ في ثناياه أوجه إلتقاء بين الجمهوريات التي كرّست لنفسها الحقوق الأساسية والديمقراطية. صحيح أنّ مبدأ الديمقراطية يمكن تشكيله على نحو مختلف إلاّ أنّ الأمر دائمًا وبالأساس يرتبط بفكرة مشاركة المواطن الفاعلة في القرارات السياسية.

 

يُحدّد العلم السياسي أنّ الدساتير في الجمهوريات العريقة تأمر بالخضوع إلى القيم التي تسعى إلى الدفاع عن الحرية والكرامة الإنسانية بإعتبارهما الهدف الأسمى من كل قانون، وإنّ جوهر الدستور لا ينظر إلى الإنسان كفرد يكتفي بذاته وإنما يجب أن ينظر إليه كفرد يعيش في مجتمع ما منظّم وفاعل ومتطوّر. وفي كل الجمهوريات العريقة لا يمكن أن تُمارس أية سلطة إلاّ في إطار الحدود التي وضعها القانون الأساسي ، والسلطة كلها يجب أن لا تُمارس إلاّ من أجل الصالح العام القائم على أسُس من الحرية وجمهورية العدالة الإجتماعية. ويجب بنتيجة ذلك أنْ تُحترم القيم الدستورية التي تسعى إلى إقرار أمن الدولة بإعتبارها القوة الدستورية وضمان السلام والنظام وأمن السكان، كما يجب عليها أن تضمن قيما أخرى لا يمكن الإستغناء عنها وهذه القيم هي التي تُبرِّر وجود الجمهورية التي تتمتّع بهوية خاصة شرعية ذات سيادة تامة وناجزة.

 

إنّ ممارسة العمل السياسي في الجمهورية اللبنانية تتسم بقصر النظر والتركيز الشديد على التضليل بل في كثير من الأحيان تتسم هذه الممارسة بالكذب وحتى العنف، ولا تبدو هذه الجهود أنها غير ناجعة فقط بل إنها قد تؤجج الجهل والتطرُّف العنيفين ممّا يُساهم في دوامة من الضياع. وهناك نهج مُستدام من التهديدات الراهنة المعقدة على المستويين الوطني والعابر للحدود، إضافةً إلى تجارب الظلم والتهميش وإنهيار سيادة القانون التي تؤجج العنف. إنّ الجمهورية اللبنانية تحتاج إلى وجود حكم رشيد وسيادة قانون قوية ، ويحتاج أفراد هذه الجمهورية إلى السلامة والأمن كما يجب حماية حقوقهم وحرياتهم الأساسية في ظل مجتمع يكفل العدالة للجميع. ولكن هناك تهديدات خطيرة قائمة في الجمهورية اللبنانية التي تكاد تنهار وتتمثل في استجابتها في الحد من حقوق الأفراد وحرياتهم والتضييق على بعض وسائل الإعلام والنقابات وتقويض فرص المشاركة في الحياة العامة والسياسية واستخدام نظام معين يمكن وصفه بالـ«بوليسي»، وعندما لا يتمكّن أفراد المجتمع الراغبين في الدفاع عن حقوقهم وحرياتهم من القيام بذلك من خلال نظام العدالة بسبب ضعفه أو عدم تمكنهم من الوصول إليه تنغرز بذور الصراع .

 

نشأت بذور الصراع في لبنان بسبب فساد كل من هم في سدّة المسؤولية ومن حاولوا إغتصاب الثورة الأخيرة ، وانّ الإثنين مارسا المحسوبية بدلاً من تعزيز الديمقراطية الشاملة للجميع واستغلا التوترات الموجودة وضعف الإدراك لدى الجمهور اللبناني أو توترات بين القوى الممسكة بالسلطة من خلال تفضيل إحداها وتهميش الجماعات الأخرى، ومع تفكك النسيج الإجتماعي للمجتمع إزدادت خيبة الأمل في كل الجمهورية اللبنانية وإنتعش الصراع العنيف بين اللبنانيين. وفي بيئة كهذه تعمل المنظمات الإرهابية والدول صاحبة الطموح التوسعي على إستمرار الإنقسامات العقائدية وتعميقها وتستغلّ في الوقت نفسه الفراغ السياسي والأمني لتحقيق اهدافها التوسعية والسيطرة الأيديولوجية المطلقة على الجمهورية اللبنانية .

 

المطلوب إعادة التفكير بما يوجد من إفتراضات بشأن سيادة القانون داخل الجمهورية اللبنانية ويتطلّب الأمر إدراك وتبني حقيقة أنه لا يمكن تحقيق سيادة القانون داخل الجمهورية المترنحنة إلاّ بالتعاون الداخلي والإقليمي والدولي لإعادة الأمور إلى نصابها ليتجسّد الإعتقاد بأنّ سيادة القانون ليست أمرًا مرغوبًا فقط ولكنها ممكنة كذلك. ولكي لا تبقى الجمهورية المترنحة أسيرة الإنهيار على كل من يتعاطى الشأن العام أن يرتكز على خمسة عناصر أساسية، هي: أولاً – وجود علاقة ثقة بين الحاكم والمحكوم. ثانيًا – التقيُّد والإلتزام من قبل مسؤولي الدولة وأفراد المجتمع بمنظومة من القوانين. ثالثًا – وجود شرعية لمؤسسات العدالة والأمن وللنظم والأطراف الفاعلة. رابعًا – شمول كل من مؤسسات العدالة والأمن والأطراف الفاعلة والأنظمة واعترافها باحتياجات العدالة والأمن لجميع الأفراد واستجابتها لها. خامسًا – إستناد رؤية سيادة القانون المثالية إلى واقع ملموس.