Site icon IMLebanon

الصراع الاستراتيجي الدولي بدأ… وسيطول

أعطى الرئيس الروسي بوتين إيران قراره المتعلّق بالرئيس السوري بشار الأسد لأسباب عدة، منها أن التحالف بين الدولتين أوسع بكثير من سوريا، وهو أصبح أو بدأ يصبح عنصراً رئيسياً في استراتيجيا بلاده المتعلّقة بالنفط والأخرى المتعلقة بآسيا الوسطى، كما في سياساتها المتعلقة بالغاز. ومنها أيضاً أنه لم يسلِّم نهائياً بفكرة تنحّي الأسد عن السلطة في محادثاته مع عدد من القادة والمسؤولين الكبار في العالم. إذ ترك مساحة كافية تمكّنه من المناورة في هذا الموضوع. وهو الآن يعتقد، وبعدما صارت قواته العسكرية داخل سوريا، أن موقفه تحسّن وأن قوته لم تعد مرتبطة بالتضحية بالأسد. أما إيران فإنها تعتقد بل تؤمن أن الأسد مفيد جداً لها في حاله الراهنة. فهو يعطي التدخل الأجنبي في بلاده الشرعية اللازمة القادرة على إجهاض أي تحد له مبني على قواعد وقوانين دولية. وهو ضعيف لدرجة تحول دون منعه الإيرانيين من بسط سيطرتهم داخل هيكلية الدولة السورية، ولو لم يكن كثير الارتياح لذلك.

وأدى ذلك الى تحوّل الوعد الروسي بالتفاوض حول مصير الأسد في أثناء البحث في حل سياسي أو عن حل سياسي للأزمة السورية إلى: “كلا. فالأسد له الحق في ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية بعد المرحلة الانتقالية”. ويعني ذلك فوزه بالرئاسة مرّة جديدة لأن السوريين النازحين الى منطقته والعائشين تحت سيطرة قواته سينتخبونه، ولأن الآخرين المهجَّرين داخل بلادهم أو اللاجئين خارجها لا يستطيع أحد حتى الأمم المتحدة مساعدتهم على نحو فاعل لانتخاب من يترأس بلادهم. علماً أن الأسد أبلغ قبل أشهر قليلة حليفاً لبنانياً له، أنه سينال بين 30 و40 في المئة من الأصوات في أي انتخابات رئاسية. وهي نسبة لن يحصل عليها أي منافس له. ولذلك سيبقى رئيساً. هذا التحوّل في موقف روسيا من الأسد أبلغه بوتين إلى رئيس فرنسا فرانسوا هولاند وإلى رئيس أميركا باراك أوباما في “قمة المناخ” الأخيرة بقوله لهما “إن الأسد لن يذهب”. وتبع ذلك إقدام وزير الخارجية الأميركي جون كيري على ممارسة ضغوط على العرب والأتراك كي يقبلوا الاشتراك في مفاوضات المرحلة الانتقالية السورية في ظل استمرار الأسد رئيساً لسوريا. ويبدو أنهم خضعوا لضغوطه وتخلّوا عن شرط تنحيه قبل تفاوض كهذا.

لكنهم تمسّكوا برحيله في نهاية المرحلة الانتقالية، وكان ذلك اتفاقاً تم قبل ذلك بين كيري ونظيره الروسي لافروف. إلا أن بوتين قال مرة أخرى: “كلا”. ورد فعل رئيس الديبلوماسية الأميركية كان أن إنهاء “داعش” ممكن خلال أشهر بعد مرحلة انتقالية ناجحة في سوريا. لكن ذلك لم يغيّر من موقف روسيا وإيران اللتين لا تقبلان خطوات منطقية يمكن أن تؤدي إلى إلغاء التنظيم المذكور خلال أشهر إذا كان رحيل الأسد بعد الانتقالية المقابل لها. هذا الموقف الإيراني يتفهّمه باحثو المركز العربي البحثي الجدي، لكنهم يتساءلون عن دوافع تبني روسيا له. والجواب عن تساؤلهم قد يكون وعود إيران بالقيام بدور أكبر في تزويد روسيا بالغاز، فضلاً عن العرفان بالجميل لروسيا الذي عبّر عنه الولي الفقيه السيد علي خامنئي. في اختصار حصل بوتين على ما أراد، وأعطى إيران ما أرادت.

ماذا يعني ذلك؟

يعني أن “داعش” لن يُهزم في سوريا طالما بقي الأسد في السلطة. وهذا أمر يعرفه بوتين. أما “داعش” العراق فإن خامنئي يعرف أنه لن يُهزم إذا لم تؤلف فيه حكومة شاملة بتمثيلها كل مكوناته. لكنه لا يريد ذلك ولهذا السبب أغدق على رئيس الحكومة السابق المالكي كل التأييد. ومعروف دوره المباشر أو غير المباشر في “انتصار” “داعش” في الموصل العراقية وغيرها.

هل يستحق الأسد كل هذه المشكلات والاضطرابات؟

الأسد ليس مهماً، يجيب الباحثون أنفسهم، فإيران تريد كل سوريا. وإذا عجزت عن ذلك اليوم فإنها تأمل في تحقيقه غداً إذا نجحت في استمرار الغرب بعيداً منها. وتريد العراق كله ربما باستثناء كردستان بعدما ضمنت بغداد والجنوب، وهي مستعدة للانتظار كي تحقق ذلك يوماً ما شرط نجاحها في إخراج أميركا نهائياً منه، وهذا ما تحاول فعله حالياً.

في النهاية تبدو “أجندة” كل من إيران – روسيا من جهة والعالم بعربه وأتراكه من جهة أخرى غير قابلتين إلا للتناقض. ويعني ذلك أن الصراع الدولي الاستراتيجي قد بدأ. وأنه سيكون طويلاً مع الحروب التي يشعلها أو التي يصبُ الزيت عليها لإبقائها مشتعلة. كما يعني مزيداً من الدمار والخراب والضحايا في سوريا وغيرها.