على وقع السباق الاستعراضي الحامي في الشارع، تزدحم السرايا بحركة زوار ديبلوماسيين يتقاطرون تباعا تعبيرا عن الدعم العربي والدولي للحكومة ولرئيسها بعدما تحسس هؤلاء أجواء مقلقة تحوم حول سيد السرايا وتهدد الوضع الحكومي بالانفجار.
تتداول القنوات الامنية كما الديبلوماسية معلومات غير مريحة عن الاوضاع السياسية والامنية في البلاد ومخاوف على الاستقرار الهش الذي تنعم به، ولا سيما منذ شغور سدة الرئاسة الاولى قبل نحو عام ونيف.
يعزز هذه المعطيات تفجر الشارع في وجه الحكومة وتشتته إلى شوارع كل منها في مقابل الآخر وما يعيد الحراك المطلبي الى مربعه الاول تحت وطأة الاصطفافات السياسية المتحكمة بالمشهد ومحاولات إستغلال الشارع وتحويله حقل اختبار واستفتاء للقوة والقدرة على الحشد والتجييش.
لكن كل جرعات الدعم الخارجي للحكومة وكان آخرها امس من سفراء الاتحاد الاوروبي لا تزال تصطدم بمناخ التشنج الداخلي وحملات التصعيد التي تُشن في وجه الرئيس سلام على خلفية الاخفاق في معالجة ازمة النفايات.
وعلى هذا الاساس يسعى سلام إلى الافادة بالحد الاقصى من الغطاء الدولي لتحصين حكومته من محاولات إسقاطها، وهو يدرك أنها غير جدية وإنما ترمي إلى رفع سقف الضغوط عليه، كما يسعى الى مواجهة التعطيل الذي تتعرض له تمهيدا لتفعيل عملها وإنتاجيتها.
وفي الوسط الحكومي من يدرك أن الاستقرار الحكومي لا يزال خطا أحمر، لكن ثمة معطى جديداً بدأ يتحرك أكثر في إتجاه الدفع نحو إنتخاب رئيس للجمهورية. وهناك من يقول أن انجاز الاستحقاق لن يكون “على البارد”، وقد يستدعي الامر الدفع بالبلاد نحو فوضى كاملة تسمح بإعادة إنتاج السلطة، وأيضا احتمال الاستعاضة عن معادلة حماية الحكومة من اجل حماية الاستقرار بمعادلة إنتخاب رئيس وتشكيل حكومة جديدة من اجل حماية الاستقرار، خصوصا ان التعقيدات التي تواجهها الحكومة نتيجة الشغور الرئاسي باتت تضيق الخناق عليها وتحد من فاعليتها، والدليل عجزها عن معالجة ملف النفايات حتى بلغ هذا الملف حد الازمة وأبرز التلكؤ الرسمي عن التعاطي والهموم الحياتية والملفات اليومية للمواطنين.
وإذا كان ملف النفايات رُمي في وجه وزير البيئة، فإن التقصير مسؤولية جماعية تتحملها المكونات الحكومية، ولا سيما تلك التي ارتضت الوصول بالازمة إلى مستوى تهديد سلامة اللبنانيين، ليس لسبب إلا لإبراز فشل فريق سياسي في تحمل مسؤولية إدارة الملف ومعالجته.
وهكذا، سيكون على رئيس الحكومة كسر الحظر المفروض على حكومته وتنشيطها حتى لا يصل الشارع إلى تحقيق مبتغاه، خصوصا وأن الحراك المطلبي ليس بريئا تماماً من اتهامات سيقت ضده ولها ما يبررها في الخلفية السياسية التي اربكت الحراك من جراء المواجهات مع القوى الامنية، وفي الخلفية المالية التي طرحت اكثر من علامة إستفهام على حجم الاموال التي ضخت لتأمين الحاجات اللوجستية للمتظاهرين. وقد بدا واضحا ان تأمين هذه الحاجات لم يأت عفويا او عشوائيا بل كان جاهزا ومعدا مسبقاً.
وفي رأي مصادر سياسية مواكبة ان رئيس الحكومة مدعو الى مبادرة عاجلة لمعالجة ملف النفايات من اجل لجم الضغط وتنفيس الاحتقان ومعالجة المشكلة. وينتظر أن يشكل تقرير وزير الزراعة اكرم شهيب الذي كلف بهذا الملف مدخلا لإعادته إلى البلديات تمهيدا لإرساء لامركزية للنفايات، وإذا نجحت، البلديات فقد يكون هذا الملف مدخلاً الى لامركزية على أكثر من صعيد سياسي وطائفي.