Site icon IMLebanon

الحالة في “القصر”: خفاقة.. براقة.. رقراقة!

 

تذكّر الأعلام اللبنانية الكبيرة والمتعددة المرصوفة بأناقة وترتيب، خلف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في الإجتماع الذي عقد في القصر الجمهوري في بعبدا مع سفراء مجموعة دول الدعم، بالخطابات التي كان يلقيها الرئيس عون أثناء الانتفاضة الشعبية التي انطلقت في 17 تشرين الأول الماضي، كما بالإطلالات التي كان يقوم بها على بعض محطات التلفزة وقد قال في إحداها عبارة شهيرة، ما معناها أن باستطاعة اللبنانيين الهجرة إذا لم يعجبهم الوضع في لبنان!

 

في تلك الخطابات، كان المونتاج التلفزيوني يفعل فعله وأصبح محط تعليقات اللبنانيين وانتقاداتهم على وسائل التواصل الإجتماعي، ولو أن عمق المشكلة كان ولا يزال أبعد من الإخراج المسرحي للخطابات الرئاسية إنما بالمضامين الانشائية بمعظمها والعبارات اللفظية المنمقة، التي كانت تراعي أكثر الأدبيات السياسية ابداعاً من دون أن تلامس جوهر المشاكل التي يعاني منها، على المستويات الإقتصادية والمالية والنقدية والإجتماعية والمعيشية.

 

في لقاء السفراء، لم يكن الكلام الرئاسي مقنعاً وأغلب الظن أن السفراء الذين شاركوا في الاجتماع استطاعوا التوقع سلفاً بما سيقال من قبل رئيسي الجمهورية والحكومة، لا سيما لناحية التأكيد على إطلاق العملية الإصلاحية واتخاذ القرارات الضرورية والمطلوبة لإخراج لبنان من أزمته، التي تضاعفت إشكالياتها وتعقدت بشكل كبير مع “كورونا”.

 

رئيس الحكومة بدوره تحدث عن تطبيق 57 بالمئة من الإصلاحات التي تعهدت بها الحكومة من دون أن يحدد أين وكيف ومتى؟ فإذا كان ثمة إصلاحات حقيقية قد تم اقرارها بغفلة من الشعب اللبناني، فمن باب أولى على الحكومة أن تعلن له عن المسارات الإصلاحية التي انتهجتها، لأن ذلك هو الخيار المنتظر والمطلوب من اللبنانيين جميعاً باستثناء القلة المستفيدة والمتحكمة بقرار الحكومة، والتي تفرض إرادتها عليها مدعية أنها لا تتدخل وتقف متفرجة من الخارج!

 

إن أخذ الحكومة رهينة من قبل قوى سياسية لها تاريخ طويل في التنظير في الإصلاح والتغيير، لا يبشر أن ثمة إصلاحات حقيقية سوف تشق طريقها إلى التطبيق، لا سيما أن هذه القوى أمضت أقله السنوات العشر الأخيرة في السلطة، ووصل حجم مشاركتها في إحدى الحكومات إلى عشرة وزراء دفعة واحدة، كما أنها تولت وزارات حيوية مثل الطاقة والمياه التي لم تنجح رغم مرور كل هذه السنوات بتوفير الطاقة للبنانيين، ووزارة الخارجية التي دمرت خلالها كل علاقات لبنان الخارجية، العربية تحديداً، وتحولت إلى الاهتمام بالجدولة الموسمية لعقد المؤتمرات الاغترابية الحزبية على نفقة الدولة، وسواها من التجارب المشرقة في تخريب العلاقات الداخلية بين اللبنانيين وتعريض السلم الاهلي للخطر في العديد من المنعطفات الهامة.

 

لعل صفقة “الفيول أويل” غير المطابق للمواصفات لا تشكل سوى مثال بسيط على سياسة الاستهتار التي تدار فيها وزارة الطاقة والمياه، التي انتقلت من وزير إلى مستشار أول وثان وثالث ورابع. ومع الاحترام الكلي للمستشارين (الذين تعج بهم المقرات الرئاسية في ظاهرة تفاقمت خلال السنوات الماضية وكان بطلها التيار السياسي نفسه)، إلا أن الواضح أن تواجدهم في أعداد غفيرة في وزارة ما ليس كفيلاً بإستيلاد الحلول المطلوبة بصورة أوتوماتيكية، ووزارة الطاقة والمياه تشكل المثال الأبرز في هذا المجال إذ قيل أن عدد هؤلاء بلغ 47 مستشاراً في عهد أحد الوزراء السابقين الذي فشل في توفير الكهرباء بعد فشله مراراً بالفوز في الإنتخابات النيابية، (ومع ذلك كان من الوزراء- الثوابت في كل الحكومات المتعاقبة في تشويه كبير للحد الأدنى من “الأصول الديموقراطية”).

 

لقد حلت ذكرى مؤتمر “سيدر” منذ أيام وهو المؤتمر الذي تعهدت فيه مجموعة من الدول المانحة تقديم الدعم للبنان، في حال سلك طريق الاصلاح وهو ما لم يحصل حتى يومنا هذا! المهم أن الرئاسة بخير وأعلام القصر الجمهوري ترفرف خفاقة، والانوار في قاعاته براقة، “والنافورة” في صدر مدخله الفسيح والبديع (التي يتم إطفاؤها في حقبات الفراغ الرئاسي)، دبت فيها الحياة والمياه فيها رقراقة!