أتاح الاجتماع الوزاري لمجموعة الدعم الدولية للبنان في باريس، فرصة متجدّدة ومهمة للخروج من دوّامة عدم الاستقرار الراهنة، والابتعاد عن الحرائق المشتعلة في المنطقة، بل والتحصّن أمام التدخلات والضغوطات المتشابكة، وذلك من خلال الالتزام بمندرجات سياسة النأي بالنفس، التي حظيت، ليس بتأييد المشاركين وحسب، بل وبتأكيدهم على عدم التدخل بشؤون البلدان العربية.
الواقع أن نتائج مؤتمر باريس فاقت كل التوقعات السياسية بأشواط ، وأعادت الدعم السياسي الواسع الذي حظي به البيان وخاصة الرئيس سعد الحريري شخصياً، مشاهد الدعم الكبير الذي ناله لبنان في مؤتمر «باريس – 2»، والنجاح الباهر الذي حققه الرئيس الشهيد رفيق الحريري في الحصول على أكبر مساعدات وتسهيلات حصل عليها لبنان من المجتمع الدولي، والدور المحوري الهام الذي لعبه الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك في إدارة المؤتمر والإعداد الجيّد له، والحرص على توفير أكبر دعم مالي ممكن للبنان.
ويبدو أن علاقات الصداقة الشخصية والوطيدة القائمة بين الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون والرئيس سعد الحريري، لا تجدد إنعاش العلاقات الحريرية مع الرئاسة الفرنسية فقط، بل تفتح آفاقاً جديدة أمام السياسة الفرنسية في المنطقة، بما يخدم بالتأكيد العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين، ويُعزّز العلاقات العربية مع القطب الأوروبي البارز.
وبغض النظر عن الالتباسات التي أحاطت بمحاولة حذف الإشارة إلى القرار الأممي 1559، وإعلان بعبدا في نسخة الترجمة العربية، فقد أكد البيان الختامي للاجتماع على جملة مبادئ وخطوات، تشكّل اختباراً جدياً، ليس للحكومة وحدها، بل لكل الأطراف السياسية المشاركة في السلطة، وخاصة «حزب الله»، لتأكيد التزامها بسياسة النأي بالنفس، والقرارات الشرعية الدولية، خاصة القرارين 1559 و1701، فضلاً عن إعلان بعبدا والاستراتيجية الدفاعية، المطروحة منذ أكثر من عشر سنوات على طاولة الحوار!
ليس تبسيطاً اعتبار المجموعة الدولية الرئيس الحريري شريكاً رئيسياً لصون وحدة لبنان واستقراره.
وليست سهلة الإشادة بقرار مجلس الوزراء «النأي بالنفس» عن الصراعات والحروب الإقليمية، وعدم التدخل بشؤون البلدان العربية، مع تأكيد اهتمام المجموعة لتنفيذ جميع الأطراف اللبنانية لهذا القرار، والالتزام بما ورد في إعلان بعبدا الذي توافقت عليه كل الأطراف السياسية.
وليس عبثاً توجيه الدعوة لاستئناف مناقشات «خطة الدفاع الوطني» على ضوء ما ورد في خطاب القسم حول الاستراتيجية الدفاعية، إلى جانب التذكير بأن الجيش اللبناني هو القوّة المسلحة الشرعية الوحيدة في لبنان.
أما الدعوة الدولية لتسريع وتيرة برنامج الإصلاحات لإقامة دولة كفوءة وشفافة وديمقراطية، فتمكن الجهات الفاعلة في القطاع الاقتصادي والمواطنين من تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي.
ولكن هذه الأجواء الإيجابية، سرعان ما تعرّضت لمحاولة اختراق عبر «صاروخ» سياسي إيراني، حمل رسائله قائد ميليشيا «عصائب أهل الحق» العراقية قيس الخزعلي في ظهوره المُستغرَب والملتبس على الحدود اللبنانية، مشككاً بجدّية كل ما يُحكى عن النأي بالنفس والابتعاد عن المحاور المتفجرة!
لعل الرد السريع والصاعق للرئيس الحريري على الزيارة – الصدمة، ساهم، وإلى حدّ بعيد، بتطويق تداعيات هذا الاختراق داخلياً وخارجياً.
ولكن هل حماية الأمن والاستقرار والحفاظ على المصالح الوطنية هي مسؤولية رئيس الحكومة وحده..؟
أين الشركاء في السلطة… خاصة حلفاء «حزب الله»؟