ليس هناك من تغيير في الموقف الدولي بالنسبة الى لبنان وإبعاده عن التفجير، واستمرار حمايته عبر المظلة الدولية الإقليمية. هذا ما تؤكده مصادر ديبلوماسية بارزة، لكن الآن خطر الإرهاب يطال ليس فقط لبنان إنما الدول الأوروبية، والتخوف من حصول هجمات كما حصل في فرنسا قائم.
أي أنه ليس هناك من قرار برفع هذه المظلة عن لبنان. إنما لم يعد بالإمكان دولياً السيطرة على العديد من الأمور ومنها الإرهاب، حيث لا يمكن التحكم بأعماله، ويعني التفجير في لبنان أن الإرهاب استطاع تجاوز التدابير الأمنية، واستطاع إيجاد ثغرة خصوصاً مع كل ما يحصل من ضغوط عسكرية جوية على «داعش» لا سيما الضغط الدولي والروسي، ما أدى بهؤلاء الى الرد في أي بقعة من المنطقة أو العالم حيثما استطاعوا.
الهجمات الإرهابية تشكل «فشة خلق» لـ»داعش» مع بداية الاستعدادات لقلب الموازين على الأرض في سوريا إن من خلال استرجاع النظام للحسكة، ومعركة الرقة، واستعادة مطار كويرس. إنها عمليات إيذاء، لكنها بحسب المصادر، لا تغيّر في موازين القوى على الأرض.
إنها سعي الى إحباط الأطراف التي تحارب «داعش»، علّها توقف الهجوم، والأعمال العسكرية. لكن لا يبدو أن الروس أو إيران و»حزب الله» سيوقفون عملياتهم في سوريا. إنها رسائل دموية بشعة في السعي الداعشي الى تحسين موازين القوى. وإذا كان حظ لبنان كبيراً، تؤدي الاعتداءات الى وقف التدخل في سوريا. إنها مرحلة «كسر عظم» بين الأطراف في سوريا.
التكفيريون يقومون بعمليات، إنما لا يفعلون حرباً في لبنان، ليس من السهل أن يقع لبنان مجدداً في الحرب. ولا جو احتقان داخلياً يشبه مرحلة ما قبل أحداث الـ1975، حيث كان الخوف المسيحي من الفلسطينيين، والخوف الإسلامي من المسيحيين، والاستعداد من كل الأطراف للقيام بالحرب والتسليح والتجييش لها. الآن ليس هناك من عنصر داخلي للحرب مثلما كان في العام 1975.
يوحد حالياً خلاف سعودي إيراني، لكن ليس من طرف يرسل سلاحاً لحرب في لبنان. الآن الأميركيون والروس يعتبرون أن لبنان خارج المؤامرة.
في السبعينات كانت هناك حرب عسكرية ومخابراتية بين هذين الطرفين. هما الآن مختلفان على كثير من الأمور، لكن بينهما تنسيق. واليوم هناك رغبة داخلية بأن تبقى المظلة التي تخيم على الاستقرار في لبنان قائمة، والمصادر تتوقع استمرارها بالتزامن مع الرغبة الدولية الإقليمية، مع أن الخوف دائماً يبقى من خرقها ومن أنها قد لا تكون أبدية.
والرابط في التفجيرات الإرهابية مع الأزمة السورية يبدو أساسياً. ذلك أن أداء الإرهابيين متصل بحالة عدم الاستقرار الشامل المتأتي من السعي الى قلب الموازين على الأرض. والأهم أن تنجح خطة «فيينا 2» وتنجح معها الحلول السياسية المطروحة. وأي فشل في ذلك سيؤدي الى مخطط معاكس، وستتطور الأمور في اتجاه آخر.
سعى الموفد الدولي للحل في سوريا ستيفان دي ميستورا الى وقف للنار، وفي ظله تتم المفاوضات السورية السورية. وتكرس ذلك في مقررات «فيينا 2».
والحل يحتاج الى مشاورات واتصالات لتكريسه. لأن هناك فارقاً كبيراً بين أن يحصل التفاوض في ظل وقف شامل للنار، وبين أن يحصل التفاوض في ظل فشل وقف النار، وفي ظل تغيير مستمر في موازين القوى على الأرض، وهذا يشبه تماماً حرب فييتنام. ما يحصل قبل التفاوض، وفي هذه المرحلة، مساعٍ من كل الأطراف لتعديل موازين القوى على الأرض، وإذا ذهب هذا المسار بعيداً فإنه يؤدي الى وقف التفاوض.
الروس والنظام السوري يحاولان تحسين موازين القوى على الأرض وشروط التفاوض. وبالتالي، وقف النار الذي يتم العمل عليه من الأمم المتحدة، على المحك، أولاً، وأن ذلك لا يشمل البحث مع «داعش» و»النصرة»، وهذا بالتحديد قد يؤدي الى استمرار عملياتهما. هناك محاولات لبلورة مقررات «فيينا 2» لا سيما مسألة تغيير الدستور، والاستمرار بالتفاوض من بعد تحديد من هو الإرهابي من بين أطياف المعارضة ومن هو غير الإرهابي. وتلي ذلك انتخابات.
ليس واضحاً مدى التعديل في الدستور، ومدى الالتزام بوقف النار من كل الأطراف، والمعارضة تحتاج الى جهد لتحديد من هو الإرهابي منها ومن ليس كذلك. ومن سيترشح من الشخصيات السورية ومن لا يريد ذلك. والسؤال هل يؤدي هذا التفاوض الى تفاوض أشمل سوري إسرائيلي مصري، وما هي الأثمان السياسية له؟ كل ذلك مربوط ببعضه. الأفضل فعلياً أن يتحقق وقف إطلاق النار، ليكون مدخلاً حقيقياً للحل. والخطة هي أن تعمل السلطة الجديدة في سوريا على مكافحة «داعش»، لكن من الآن وحتى تحقيق ذلك، هناك وقت طويل ستبقى معه «داعش» ساعية لأن تكون محبِطة من دون أن تؤخر أو تقدم على الأرض.