إذا كان من دلالات لزيارة ممثلة الأمين العام للامم المتحدة سيغريد كاغ لعرسال برفقة وزير الدفاع سمير مقبل وقائد الجيش العماد جان قهوجي في 30 حزيران المنصرم تتصل بتقديم التقرير حول القرار 1701 امام مجلس الامن الدولي في 8 تموز الحالي حيث اثنت كاغ على دور كل من الرئيس تمام سلام ومقبل وقهوجي في رعاية الوضع الامني خصوصاً على الحدود الشرقية، فان لزيارتها لقائد الجيش بعد عودتها من نيويورك دلالات قد تتصل بجملة امور لعل ابرزها : المخاوف التي قد تساور اعضاء مجلس الأمن من تداعيات اكبر لتطور الوضع في سوريا على لبنان في ظل سيناريوات مختلفة لتصاعد الاوضاع ميدانيا من بينها على سبيل المثال احتمال سقوط حمص في أيدي تنظيمات معارضة للنظام السوري. فالوضع في عرسال غدا اكثر اطمئناناً نسبياً مع امساك الجيش بالوضع هناك وتحصين مواقعه على نحو لم يعد مقلقا كما كان قبل اشهر بحيث يسير الجيش دوريات في البلدة من دون الحاجة راهناً الى اقامة مواقع ثابتة فيها وفق ما تكشف مصادر معنية. في حين ان المعارك التي تدور في الجوار لا تتركز في جرود عرسال بل في جرود بريتال ونحلة من جهة الطفيل والمقلب السوري حيث يخوض “حزب الله” معاركه فيما تحرشات المسلحين بين فترة واخرى يعالجها الجيش من دون صعوبة. وتقول هذه المصادر ان المجتمع الدولي يتطلع الى دور الجيش في لبنان على انه شريك اساسي لا غنى عنه في الدور الذي يضطلع به راهنا من اجل تأمين الاستقرار من جهة باعتبار ان المظلة الدولية الحامية للاستقرار على اهميتها لم تكن لتكفي لولا وجود شركاء في الداخل احد عناصره الافرقاء السياسيون من جهة والجيش اللبناني من جهة اخرى. ومن هذه الزاوية ثمة سعي من اجل تفهم اكبر واستعداد للمساعدة السريعة والفورية التي لا تحتاج لسنوات من اجل ان تتحقق. ولعل دور الجيش اخذ بعداً اضافياً في ظل الشغور الرئاسي بحيث تعاظم الاعتماد عليه خصوصاً في ظروف أملت دعماً للبنان من اجل التصدي للارهاب وانخراطاً من جانبه الى جانب التحالف الدولي من اجل محاربة الارهاب ليس في استطاعة السلطة السياسية تأمينه. أضف الى ذلك ان تجربة التصدي للارهاب الذي نجح لبنان في احتوائه بعد موجة تفجيرات طاولته العام الماضي رفعت رصيده ان لجهة التجاوب مع مده بالاسلحة التي يحتاج اليها كما يحصل مع الولايات المتحدة الاميركية مثلاً او لجهة نقل تجربته حول طرق المواجهة التي باتت تسمح له بمحاولة استكشاف النيات الجرمية واصحابها وتوقيفهم استباقياً قبل حصول اي تهديد فعلي ولو على حساب تجاوز ما يتصل بحقوق الانسان احيانا التي لا تسمح بتوقيف شخص قبل ارتكابه ذنباً ما في الوقت الذي تتيح المعلومات والشكوك احيانا استباق ان يرتكب البعض عملا ما من اجل توقيفه.
استناداً الى هذه المعطيات فان اي صراعات سياسية تضع الجيش في الواجهة وفق ما حصل في الاسبوعين الاخيرين او تدرجه عنصراً من عناصر الصراع على النفوذ من باب التعيينات الامنية لن تجد تفهماً او صدى ايجابياً داعماً ايا تكن أهمية او احقية المطالب لان الرهانات الخارجية هي على الاستقرار الداخلي علماً ان موقع قيادة الجيش قد يكون اكتسب اهمية اكثر من اي وقت مضى في ظل الشغور الرئاسي الراهن. والاستقرار والحفاظ على الحكومة وفق ما تبين في كلمتين لكل من الرئيس سعد الحريري والامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله قد تكونان نقطتين وحيدتين مشتركتين على رغم اتجاهات سياسية متناقضة بينهما، ما يبقي على استمرارية الحكومة من جهة وعلى حتمية استمرار التواصل بينهما من جهة اخرى. لكن هذه المعطيات تفرض نفسها في سياق ما قد تذهب اليه الامور على طاولة مجلس الوزراء بعد اسبوعين علماً انها تختلط ايضاً مع الحسابات السياسية للافرقاء بحيث لا يمكن توقع حلول لموضوع التعيينات على رغم مجاهرة قوى 8 آذار بدعم مطالب التيار الوطني الحر في تعيين العميد شامل روكز في موقع قيادة الجيش. وما لم يتحرك الشأن اللبناني كلاً ربما على وقع نتائج الاتفاق النووي مع ايران بحيث تفتح ملفات المنطقة الاقل خطورة وتعقيداً كما هي حال لبنان فتؤدي المساعي الدولية والاقليمية الى اتفاق على اجراء انتخابات للرئاسة تستدرج جملة توافقات على استحقاقات اخرى وفق ما يتوقع ويأمل كثر، فان موضوع التعيينات الامنية لن يحصل في ظل عدم التوافق بين الأفرقاء السياسيين. حتى ان ثمة من يقول ان المخارج التي طرحها البعض على نحو يبقي خيار تعيين روكز قائداً للجيش حياً للفترة المقبلة قد لا تكون ناجحة من منطلق ان احداً لا يمدد لقائد للجيش ويعد آخر بالقيادة بعد حين على نحو يحول القائد الحالي الى بطة عرجاء كما هي الحال بالنسبة الى اي رئيس للجمهورية حين تبدأ الحملات الانتخابية لانتخاب خلف له.
وتقول هذه المصادر انه فيما انتقد افرقاء في 8 آذار غياب مبادرة ما لحل الازمة الحالية في كلمة الرئيس الحريري، فان هؤلاء انفسهم لم يبادروا الى عرض اقتراحات حلول مقبولة بدءاً من انتخابات الرئاسة بحيث ان عدم مشاركة النواب في انتخاب رئيس للجمهورية يشكل تجاوزا للدستور فيما لا يعد عدم تعيين قائد جديد للجيش كذلك في اي حال.