شكّلت الانتخابات النيابية التي أجريت أمس الأول، محور ترحيب دولي وعربي، وباتت الدول تتطلع الآن، الى التزامات لبنان حيال المؤتمرات الدولية التي انعقدت دعماً له، ولاستقراره، اذ ان المجلس النيابي الجديد والحكومة الجديدة التي ستنبَثق عنها، سيلعبان دوراً اساسياً على هذا الصعيد.
وتفيد مصادر ديبلوماسية، بأن اجراء الانتخابات النيابية، لطالما كان مطلباً دولياً من لبنان. ذلك ان الدول وقفت ضد استمرار تأجيل الانتخابات، وضد التجديد للمجلس المنتهية ولايته. وبالتالي، يُعيد لبنان الآن اطلاق عمل المؤسسات الدستورية مجدداً، واطلاق العملية الديمقراطية وهو الامر الصحي والضروري في كل المجتمعات. لكن وان كان الغرب تحديداً مع اجراء الانتخابات، الا انه لا يخفي وعبر القنوات الديبلوماسية، مخاوفه من ان يوصل القانون الجديد، حليف ايران الاساسي اي “حزب الله” الى توسيع نفوذه من خلال ازدياد عدد نوابه في البرلمان ونواب حلفائه وحلفاء النظام السوري. لذلك كان هناك ارتياح غربي واميركي تحديداً الى التحالفات الانتخابية لناحية ان ليس هناك من افرقاء اساسيين واقوياء تحالفوا مع الحزب. مع الاشارة الى تحالف الحزب التقليدي مع “حركة امل”. لذا كان هناك ارتياح لعدم تحالف الافرقاء الآخرين مع الحزب، بحيث يكون معزولاً نوعاً ما. وكانت الانظار مركزة على ما اذا قد يخسر الحزب عدداً من الاصوات في مناطق نفوذه، وما اذا سيربح حلفاؤه في مناطق اخرى.
والدول، وفقاً للمصادر، سهلت عملية اقتراع اللبنانيين في الخارج، ولعبت دوراً ايجابياً في ذلك. وهي تدرك اهمية هذا الاجراء، وهي تتبعه لان جالياتها في لبنان تنتخب في سفاراتها في بيروت.
ووسط تعدد الاولويات في الملفات الساخنة في المنطقة، يبرز استقرار لبنان قاسماً مشتركاً بين الدول في الاهتمامات، بسبب تلافي حصول بؤرة جديدة من التوتر في المنطقة، ثم لاستمرار لبنان في تحمل وجود الاعداد الكبيرة من النازحين السوريين.
كل الدول تتطلع الآن الى تركيبة المجلس والى التعاون بين الكتل النيابية داخله، والى التحالفات المحتملة في مقاربة المواضيع المطروحة. اذ ان اجراء الانتخابات في حد ذاته مهم، لكنه لا يحل المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها لبنان. وبعد انتهاء الانتخابات ستتفرغ الحكومة الجديدة للملفات الاخرى.
هناك قضايا عالقة، ابرزها قضية النازحين السوريين والعلاقة مع الملف السوري. ثم الاهتمام بدرء مخاطر اي توجه اسرائيلي مؤثر في السياسة الاميركية حول دور “اليونيفيل”، ان لاغراض خفض موازنتها او ما يتصل بالمطالب الاسرائيلية الملحة حول توسيع دورها. لبنان سيقدم طلب التمديد لـ”اليونيفل” في شهر تموز المقبل. لكنه يريد الحفاظ على مهمتها كما هي حالياً، من دون اي تغيير.
ثم هناك ضرورة قيام لبنان بما هو مطلوب منه للتعامل مع نتائج المؤتمرات الدولية لدعمه، وهو مسار يأتي بالتزامن مع سياسة النأي بالنفس عن مشكلات المنطقة، ومع ضرورة العودة الى الحوار الوطني الداخلي لبحث الاستراتيجية الدفاعية للبنان، وبت مصير سلاح “حزب الله”. وهذان التوجهان، ينتظر المجتمع الدولي من لبنان ان يبلورهما، وذلك في اطار عودة التشدد الدولي من اجل تنفيذ القرارين ١٥٩٥ و١٧٠١، وهذا ابرز استحقاق سيواجهه لبنان بعد تشكيل الحكومة الجديدة.
على ان الانظار تتجه حالياً الى التحالفات في المجلس النيابي الجديد، وقد لا تنسحب التحالفات الانتخابية، بحسب المصادر، على التحالفات لمرحلة ما بعد الانتخابات ومعالجة الملفات. وقد تكون هناك تحالفات على الملف او على كل موضوع على حدة. لكن المهم ان يبقى التوازن في البلد قائماً وما يستتبعه من تعاون بين الافرقاء للحفاظ على الوضع في البلد هادئاً ومستقراً. والاستقرار لا يزال مطلوباً دولياً. وسيؤكد على ذلك الموفدون الدوليون الذين يُتوقع ان يزوروا لبنان بعد الانتخابات، لاستطلاع آفاق المرحلة المقبلة فيه والتموضعات الداخلية، والتحضيرات لتشكيل حكومة جديدة.