Site icon IMLebanon

التدويل ممر إلزامي وليس اختيارياً لحل الأزمة

 

تتناول أحاديث عدة، موضوع تدويل أزمة لبنان. هناك جهات تدعم هذا المبدأ، كحل وحيد، وآخرون يُعارضونه بشراسة، مخوّنين المطالبين به. والسؤال: ما السبيل الى استخلاص ما هو أفضل للبلد، وفرز الخيط الأبيض من الخيط الأسود؟

لنعُد قليلاً إلى الوراء وإلى التاريخ، ونسترجع أزمات لبنان المتعددة الأوجه، والتي مرّت فيه قبل اتخاذ أي موقف حاسم في هذا الشأن.

 

لنعُد أولاً إلى «اجتماع الطائف» الذي إنعقد في أيلول 1989، جامعاً كل رؤساء الأحزاب والنواب في تلك الحقبة. إجتمعوا كلهم في دولة عربية خليجية، بعيدة جغرافياً من لبنان، هي المملكة العربية السعودية، وتحديداً في مدينة الطائف، وبدعم سعودي، عربي، إقليمي ودولي، حيث أوقف هذا الإجتماع القذائف والمدافع، وأدّى إلى إتفاق داخلي. لا أريد أن أدخل في تفاصيل أخرى، تقييما لهذا الإتفاق، لكن أوليس ذلك تدويلاً لأزمتنا وللحل الوحيد، في ذلك الوقت؟

من جهة أخرى، لنتذكر أيضاً اجتماع الدوحة، في 20 أيار 2008، بعد فراغ رئاسي دام نحو ثلاث سنوات، وقد تلاه اتفاق، بمظلة إقليمية ودولية، أدّى إلى إنتخاب رئيس لجمهورية لبنان، وأوقف جزءاً من الإنهيار. ألم يكن تدويلاً لأزمتنا المستدامة، وحلاً دولياً جمع الأفرقاء اللبنانيين، على طاولة المفاوضات؟

 

تدويل مالي واقتصادي

في سياق متصل، إذا توجهنا إلى الإجتماعات الإقتصادية، والإستثمارية والإنمائية والإجتماعية، والتي انعقدت من أجل لبنان، ستأخذنا ذاكرتنا حتماً إلى مؤتمرات باريس (1) (في 27 شباط 2001)، وباريس (2) (في 23 تشرين الثاني 2002)، وباريس (3) (في 15 كانون الثاني 2007)، والتي نجم عنها ضخ سيولة، واستثمارات عدة، ومساعدات مالية، من دونها كان الإقتصاد في طور الإنهيار.

 

هنا أيضاً، أوليست هذه الإجتماعات الدولية تُعد تدويلاً لأزمتنا الإقتصادية والمالية والنقدية، وبعض حلول، سمحت لنا أن نتعايش سنوات عدة، باستقرار ونمو؟

 

إذا نظرنا الآن إلى إجتماعات إستوكهولم أو بروكسل أو لندن، والتي نُظمت بهدف تقديم المساعدات الإجتماعية للبنان، عقب النزوح السوري، والذي كلفنا مبالغ طائلة، والذي لم يكن يستطيع لبنان وشعبه أن يتحمّلها. ألم يكن هذا تدويلاً لأزمتنا الإجتماعية وضخ «عوّامات النجاة»، لمنع الإنهيار التام؟

 

عندما يُطالب الكل بالتدقيق الجنائي الدولي، من أجل مراقبة حسابات كل الوزارات، وسائر الإدارات اللبنانية، وبتدخل مباشر من الشركات الفرنسية (مارسال وألفاريس) وغيرها، ألا يُعدّ تدويلاً لأزمة الفساد وتبييض الأموال والتهريب؟

عندما يُحاول لبنان أن يفاوض رسمياً صندوق النقد الدولي، لضخ بعض السيولة، أليس هذا جزءاً من التدويل؟

 

عندما نتسوّل لقاحات من البنك الدولي، لمساعدتنا في مواجهة جائحة كورونا، وتلقيح الشعب، أوليست تدويلاً لأزمتنا الصحية، وبداية حل بتدخل دولي؟

 

لماذا يرى البعض التدويل حلاً يلتزمون به بكل تفاصيله، حينما يرغبون، وفي أوقات أخرى يرونه خيانة عظمى، وتدخلاً في الشؤون الداخلية، وخرقاً للسيادة الوطنية؟

 

الكلّ يعلم، أن لبنان يمرّ في أسوأ أزماته السياسية، والإقتصادية، والإجتماعية، والمالية، والنقدية، وحتى الصحية، في تاريخه، فهل من الممكن منطقياً أن نُواجه، ونخرج من هذا النفق المظلم من دون مساعدات دولية – خارجية، وتدويل أزمتنا؟

 

من جهة أخرى، من بعد أن واجه لبنان أكبر إنفجار إجتماعي في 17 تشرين الأول 2019، ومن ثم إنفجار الإفلاس في 7 آذار 2020، عندما أعلن رئيس الحكومة رسمياً عدم إلتزام دفع المستحقات المالية، والإنهيار المبطّن ومن ثم الإنفجار التخريبي والإجرامي في 4 آب 2020، الذي دمّر عاصمة لبنان، وأدّى إلى استنزاف شعبه، ومن ثم إنفجار وتدهور قيمة العملة الوطنية، الذي أدّى إلى تحطيم نسب عيش اللبنانيين ومداخيلهم، وتالياً أدّى إلى تضخم كارثي، فهل يُعقل أن يكون المسؤولون الذين أشعلوا نيران هذه الإنفجارات مباشرة وغير مباشرة، هم أنفسهم، الذين سيُطفئون هذه الحرائق المدمّرة، من دون أي دعم دولي؟

 

نعتبر اليوم أن التدويل هو الحل الوحيد، أو الحجر الأساسس لبدء الإصلاحات، أو حتى بصيص النور في هذا الخندق المظلم، أو حتى نافذة لنتنشّق الأوكسيجين. وعلى الشعب اللبناني أن يفتح الباب، كي يستطيع أن يخرج من سجن الفساد والوصاية الداخلية، ووحول السياسة، والهيمنة التخريبية.

 

إن التدويل ليس خياراً، بل نحن محكومون ومضطرون بأن ينعقد الإجتماع الدولي لمعالجة أزماتنا الإقتصادية، والإجتماعية، والصحية، والإنمائية، والنقدية، والسياسية، والأمنية، كي نُعيد بناء لبنان على الخطى الثابتة.

 

لبنان اليوم رهينة صراعات داخلية، بل إقليمية ودولية، لذا إن التدويل يطمح أن يعطي جزءاً من الحرية للبنانيين المسجونين في هذا السجن الكبير. فالتدويل وحده يُمكن أن يعيد إستقلالنا الحقيقي، وتحرير لبنان واللبنانيين من كل هذه الأزمات المزمنة. الخيارات ليست متعددة. من جهة أولى، هناك الذين دمّروا لبنان، في الحروب والمحاصصة والفساد، ويقدمون أنفسهم على أنهم المنقذون، ويتقاذفون المسؤوليات بين بعضهم البعض، ومن جهة أخرى، هناك التدويل الذي اختبرناه من دول استطاعت إعادة بناء نفسها، وهي جاهزة لمساعدتنا في إعادة بناء بلدنا.