لم يتوقف البحث في إعادة إحياء المفاوضات في شأن سوريا داخل مقار الأمم المتحدة يوماً، لكنّ مؤتمر المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا ستيفان دو ميستورا عاد ليُلقي الضوء على أفق اعتُبرَ مسدوداً بعد تخلّي الأخضر الابراهيمي عن مهمته في إدارة الملف السوري في أيار 2014.
الجلسة المغلقة الخاصة بسوريا والتي عُقدت في مجلس الامن الخميس، والتي أظهَرت إعادة تموضع في العملية السياسية، سقطت منها مسلّمات عدّة، أوّلها استبعاد الرئيس السوري بشّار الأسد عن سدّة السلطة، وثانيها اعتبار الائتلاف السوري المعارض الممثل الوحيد للمعارضة السورية.
هذه التغييرات الجذرية ستقود سوريا إلى انتقال بطيء نحو مزيد من الأمن، اعتبرَه دوميستورا قاعدةً لإعادة إحياء المفاوضات بدءاً من القاعدة الشعبية وصولاً إلى القيادات.
وقال مصدر أممي بارز في الأمم المتحدة لـ«الجمهورية»، إنّ من أولويات دوميستورا، «العمل على تحقيق تقدّم في وقف العنف وإيصال المساعدات الضرورية لملايين النازحين والمهجّرين، ومن ثمّ التوصّل إلى حلٍّ سياسي يمنع تضاعف الخسائر البشرية يومياً».
وشدّد المصدر على أنّ «أسس «جنيف 2» ما زالت صالحة للانطلاق منها اليوم في محادثات جديدة، لكنّني أستبعد حصول جولة جديدة من المفاوضات قبل نهاية هذه السنة، وأتوقَّع عقد «جنيف 3» مطلع 2015، على أن تُستبعَد مسلّمات عدّة، أوّلها تغيير النظام واستبعاد الرئيس السوري بشّار الأسد من الحكم، وثانيها اعتبار الائتلاف السوري الممثل الوحيد للمعارضة في سوريا. ويبدو أنّ هذا الائتلاف سيكون المتضرّر الأكبر في هذه الجولة الجديدة من المفاوضات، إذ على رغم فشله في تثبيت دوره كممثل للمعارضة، يصعب إيجاد بديل واضح له.
ويضيف المصدر أنّ السبب في ذلك يعود إلى «فشل الائتلاف في تحقيق أيّ عمل فعلي وفقدانه شعبيته، وعدم وجود رؤية واضحة لديه، حتى إنّ الأميركيين أبلغوا إلى أركانه أنّهم فقدوا صفة الممثل الحصري للمعارضة». ورأى المصدر أنّ الأطراف كافة «سلّمت بأنّ النظام باقٍ، وعلى رغم ذلك تصرّ الأمم المتحدة، مثلما فعلت دائماً، على دور للمعارضة، بحيث توزّع عليهم حقائبَ تتيح لهم المشاركة في الحكم مناصفةً».
المناصفة التي رفضها النظام السوري في «جنيف 2» وروسيا في حينها، عادت روسيا لتوافق عليها الآن، ما دفعَ وزير الخارجية السوري وليد المعلم الى إعلان نيته زيارة موسكو في الايام القليلة المقبلة، «اعتراضاً على موافقة الروس على تقاسم السلطة في سوريا مناصفةً مع المعارضة»،
على حَدّ قول المصدر الأممي، «وللبحث في استعداد الروس للعودة الى المفاوضات الثلاثية مع الامم المتحدة وواشنطن حيال الملف السوري».
زيارة المعلم الاخيرة لموسكو كانت في كانون الثاني الماضي خلال التحضيرات لمؤتمر «جنيف 2».
إقتراح دو ميستورا تعميم نموذج حمص هو مطلب نشَده الابراهيمي عقب تحقيق فكّ الحصار عن حمص القديمة، وقال ديبلوماسي أوروبي في جنيف لـ«الجمهورية» إنّ «الاقتراح الاساسي له هو العمل في الميدان، بشكل لا يتطلب عملية تفاوضية معقّدة كما حصل في «جنيف 2»، وينطلق بلا شروط مسبقة تُحدّد عمل الأطراف المتنازعة».
ورأى أنّ «الأقرب إلى منطق دوميستورا هو تكرار تجربة حمص بدءاً بحلب، ومن ثمّ التوجّه إلى مناطق أخرى، وهذه الخطوة تحتاج الى عمل مُضنٍ، الهدف النهائيّ منه إجراء مصالحات على الأرض بين قوات المعارضة المعتدلة وقوات النظام لمحاصرة «داعش» في مناطق وجودها، وهذا يعني أنّ دوميستورا يحاول خفضَ الخلافات بين المعارضة والنظام على أساس أنّ الخطر الأكبر على الطرفين معاً، يأتي من التنظيم الإرهابي».