قلق نصر الله يتجاوز العقوبات المالية المفروضة إلى الخوف من طرح
مشروع أممي أمام مجلس الأمن يضع حزب الله على لائحة التنظيمات الإرهابية
ترى المصادر السياسية أن إمعان الأمين العام لحزب الله في تهديد أو ترهيب المصارف اللبنانية لمنعها أو تغاضيها عن تغطية نشاطات الحزب المالية قد يكون تأثيره محدوداً
ما تزال مسألة الإجراءات العقابية التي فرضتها الإدارة الأميركية مؤخراً بحق «حزب الله» وردّة الفعل الغاضبة بخصوصها من قِبَل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله تتفاعل بقوة على الصعيدين الداخلي والمصرفي وموضع نقاش وتشاور بين المعنيين بشأنها بعيداً من الضجيج السياسي والإعلامي نظراً لحساسية هذه المسألة التي فرضت واقعاً جديداً لا يمكن تجاهله أو القفز فوقه خلافاً لما كان يتم التعامل مع العقوبات الجزئية السابقة بالتحايل أو غضّ النظر، وبات الأمر يتطلّب هذه المرة توفير كل مستلزمات تحصين القطاع المصرفي واستمرار تطوره مع التزامه بتنفيذ هذه العقوبات وفي الوقت نفسه إبعاد أي محاولات استهداف أو ترهيب يتعرّض لها وخصوصاً من جانب الحزب لا سيما بعد مطالبة نصر الله المصارف اللبنانية بعدم الانصياع للعقوبات ومقاومة تطبيقها.
وفي حين تُظهر مواقف العديد من الفاعليات المصرفية والاقتصادية إستياءها البالغ من دعوة نصر الله الهادفة للضغط على القطاع المصرفي وترهيبه وتؤكّد علناً رفضها التجاوب أو الرضوخ لتهديداته، ترى مصادر سياسية بارزة أن العقوبات الأميركية الجديدة بحق «حزب الله» هذه المرة هي الأشد من كل التدابير التي اتخذت ضده سابقاً، وليس أدلّ على ذلك سوى ردّة الفعل السريعة والغاضبة التي أطلقها نصر الله ضدها وهو ما يعبّر بوضوح عن إنزعاجه منها باعتبارها تؤثّر سلباً وبفاعلية على حركة الحزب في استعمال المصارف لتحويل أو إدخار الأموال أو توظيفها بواسطة الأشخاص أو المؤسسات التي يعتمدها كواجهات لتمويه استثماراته ونشاطاته المالية والتجارية من لبنان وباتجاه مناطق عديدة في العالم ويحقّق من خلالها مداخيل كبيرة تُسهم في تمويل جزء لا بأس به من نشاطاته وتحركاته بالرغم من محاولته الإدعاء بعدم وجود أموال للحزب في هذه المصارف، لأنه من المعلوم أن الحزب يتلقى مبالغ ضخمة ومنتظمة من إيران نقداً وبطرق ووسائل تتجاوز التحويلات المصرفية المعتادة والرقابات الرسمية المعتادة لتجنّب مصادرتها أو ممارسة أي نوع من الرقابة عليها من أي كان، ويحرص على التداول في معظمها نقداً أيضاً.
ومن وجهة نظر المصادر السياسية فإن ردّة فعل الأمين العام لحزب الله على العقوبات الأميركية الجديدة لا تقتصر على انزعاج الحزب وضيقه منها فقط وإنما تتجاوز ذلك إلى ما هو أبعد بكثير، وتحديداً في ما يتعلّق بتوجهات الإدارة الأميركية المقبلة وتعاطيها مع الحزب، لأن ما يحصل لا يبشّر إطلاقاً بالمهادنة أو غضّ النظر عن وضعية الحزب ونشاطاته بالتلازم مع بدء تطبيق الاتفاق النووي بين الدول العظمى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية مع إيران الدولة الداعمة والراعية لوجوده واستمراريته، بل على عكس ذلك، لأن كل التوقعات تؤشر إلى أن العقوبات الجديدة تسير إلى تشدّد أميركي أكثر من السابق ومحاولة لفصل نتائج تطبيق الاتفاق النووي عن النظرة تجاه الحزب لا سيما بعد وضع إسم الحزب على لائحة التنظيمات والأحزاب والتجمعات الإرهابية التي تقاتل في سوريا ورفعها إلى مجلس الأمن الدولي لتحديد من هو الإرهابي منها وغير الإرهابي واتخاذ قرار نهائي بخصوصها، وهو ما احتجّت عليه روسيا وإيران علناً ورفضته، في حين تبدو الولايات المتحدة الأميركية والدول الحليفة الأخرى مصرّة على إدراج الحزب على لائحة الإرهاب قبيل انطلاق المفاوضات لحل الأزمة السورية خلال الأسابيع القليلة المقبلة، وفي حال إبقاء اسم الحزب على لائحة الإرهاب واقرارها في مجلس الأمن الدولي، فإن هذا الواقع الجديد يفرض إجراءات وعقوبات جديدة توجب على جميع الدول التعاون والالتزام بتطبيقها تحت طائلة التعرّض لموجبات القرار المتخذ بهذا الشأن، وهذا مبعث القلق الأساس للحزب ولمواقف نصر الله الأخيرة ضد العقوبات الأميركية الجديدة والخشية من توسعها نحو الأسوأ مستقبلاً.
وترى المصادر السياسية ان إمعان الأمين العام لحزب الله في تهديد أو ترهيب المصارف اللبنانية لمنعها أو تغاضيها عن تغطية نشاطات الحزب المالية كما كان يحصل من قبل لدى بعضها للتحايل على تنفيذ العقوبات الأميركية المفروضة سابقاً، قد يكون تأثيره محدوداً، لأن معظم المصارف أو حتى كلها تقريباً تعرف حق المعرفة مدى كلفة وتداعيات خرق نظام العقوبات على وضعية هذه المصارف والأموال المودعة فيها، وهو ما لا يمكن تحمله وبالتالي لا بدّ من مراعاة هذه الوضعية الحسّاسة وتجنب تكرار توجيه أي تهديد أو استهداف للمصارف على أنواعها وتحميلها أكثر ما تستطيع تحمله لئلا يؤدي ذلك إلى تداعيات سلبية ومخاطر جمة تضعف قدرة هذا القطاع المالي المهم الذي ما يزال يدعم الوضع الاقتصادي المتهالك بفعل تعطيل الحياة السياسية وشلل مؤسسات الدولة على اختلافها وأصبح موضع مباهاة وفخر للبنانيين بكافة فئاتهم بالرغم من كل الخلافات التي تعصف بهم من أكثر من اتجاه.
وتعتبر المصادر السياسية البارزة ان مواقف بعض الفاعليات المصرفية والاقتصادية وردة فعلها الرافضة والفورية مع دعوة نصر الله لعدم تعاون المصارف بتطبيق العقوبات الأميركية بحق الحزب، تشكّل جرس إنذار ومؤشراً على رفض التجاوب مع أساليب التهديد والترهيب وإمكانية تطوّر هذه المشكلة وتوسعها لتنضم إلى الخلاف السياسي المستحكم في البلد بين «حزب الله» وخصومه السياسيين في حال لم يتم استيعاب مواقف الأمين العام لحزب الله ضد المصارف وتجنب تكرار استهدافها من جديد، لا سيما وأن تطوّر هذه المشكلة لن يؤدي إلى رفع هذه العقوبات التي تتعلق مباشرة بعلاقة «حزب الله» مع الإدارة الأميركية، بل تنعكس ضرراً على القطاع المصرفي، وكأنه لا يكفي ما سببه الحزب من اضرار بالغة للبنان واللبنانيين ككل في مصادرته لقرار الدولة اللبنانية وتعطيله لانتخابات رئاسة الجمهورية وتسببه في قتل آلاف من اللبنانيين والسوريين وتدمير المدن والقرى السورية من خلال مشاركته بالقتال إلى جانب نظام الرئيس السوري بشار الأسد تحت حجج وذرائع مذهبية زائفة، وامعانه في تعطيل كل مفاصل الحركة السياسية والاضرار بدورة الاقتصاد الوطني جرّاء ارتهانه لخطط ومصالح النظام الإيراني على حساب لبنان، وبالتالي لم يعد امامه سوى استهداف القطاع المصرفي وهو ما سيرفضه اللبنانيون بشدة ولن ينصاعوا إليه مهما كانت النتائج والتداعيات.