IMLebanon

“حزب الله” أحضر التدويل إلى كرمه

 

تعود الجغرافيا السياسيّة أو الجيوبوليتيك اللبنانيّة وتفرض نفسها على المجتمعين الاقليمي والدّولي بقوّة. لم يستطع هذان المجتمعان التغاضي يوماً عن الدّور اللبناني الفاعل في المنطقة؛ ولن يستطيعا. فلبنان موجود جيوبوليتيكيّاً، وحاكم للمنطقة والعالم بفعل هذه الجيوبوليتيك. والأزمات اللبنانيّة المتعاقبة منذ نشأة الكيان اللبناني رسميّاً في العام 1920 إنّما هي نِتَاج هذه التأثيرات والتأثّرات التي طبعت الحياة اللبنانيّة، ولا تزال. فهل سيستطيع اللبنانيّون الاستفادة من هذا الواقع ليستعيدوا وطنهم المخطوف من قبل دويتّو المنظومة الفاسدة والمنظّمة المسلّحة؟

 

ممّا لا شكّ فيه أنّ الواقع اللبناني اليوم هو بيد اللبنانيّين وحدهم. ولا يمكن التعويل فقط على مساعدة المجتمعين الاقليمي والدّولي على قاعدة “الشاطر يخلّص نفسه”. لكن المطلوب هنا تفعيل الإرادة السياديّة لبنانيّاً، لأنّه إذا لم يقرّر اللبنانيّون أنفسهم الخلاص فلن يفيدهم أيّ تدخّل لأنّه سيبقى عندها محصوراً بمصلحة المتدخِّل فقط. ما يعني ذلك تحقيق مصلحة الطرف المتدخِّل ولو على حساب بعض الأطراف المحليّين.

 

لذلك، إن لم يسعَ اللبنانيّون إلى أخذ زمام المبادرة وتلقّف هذا المومنتوم الإقليمي الذي صنعه وليّ العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان، ستقتصر حركته عندها على إعادة “حزب الله” الذي بات لاعباً إقليميّاً إلى الدّاخل اللبناني؛ وعندها فليقبع اللبنانيّون شوكهم بأيديهم، ولو عارية. من هنا ضرورة التعاطي مع الحراك الخليجي المستجِدّ لبنانيّاً من منطلقات سياديّة بحتة، لا سيّما وأنّه أشار بالإسم إلى سبب الأزمة اللبنانيّة والتي تحوّلت إلى قضيّة إقليميّة، لا بل دوليّة.

 

وما كان ذلك ليتمّ لو أنّ “حزب الله” بقي في لبنانيّته، لكن خياره في أن يكون أمميّاً سيكلفه الكثير. وإن ما زال يراهن على الجولة الثامنة من المفاوضات التي ستنعقد قريباً في فيينّا، علّه ينتزع شرعيّة لحكمه في لبنان، ولأدواره الإقليميّة والدّوليّة. لكن على ما يبدو أنّ الرفض لذلك جاء من البوّابة الخليجيّة، وبالتحديد من المملكة العربيّة السعوديّة التي اتّخذت على عاتقها حملة تحرير لبنان من سيطرة “حزب الله”، وإعادته إلى حجمه اللبناني الطبيعي، إن أراد هو ذلك. وإن لم يرِد فالخيارات كلّها متاحة لأنّ الأمير محمّد بن سلطان نجح، شئنا أم أبينا، بتثبيت دوره القيادي في منطقة الخليج العربي؛ كما نجح بحشد الدّول الخليجيّة مع موقفه من القضيّة اللبنانيّة، لأنّ لبنان بات مُنطَلَقاً و مصَدِّراً للثورة الإسلاميّة في إيران. وهنا الخطورة والحقيقة المقنّعة خلف الدّور الذي يلعبه “حزب الله” وإيران انطلاقاً من لبنان.

 

فالمطلوب في هذه المرحلة واحد وواضح وهو تثبيت الأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربي، وفي منطقة شرق المتوسّط. وإن لم يستجِب “حزب الله” ولبنان الذي يحكمه بهذه التوجّهات فلن يألو المجتمعان الإقليمي والدّولي أيّ جهدٍ باتّخاذ الاجراءات والتدابير الآيلة إلى حدوث ذلك. فلقد حدّد الأمير محمّد بن سلطان سقف المواجهة وحدودها في هذه المرحلة. ويبقى أنّ استحقاق تبديل السلطة في لبنان، إن في الانتخابات النيابيّة وإن الرئاسيّة، هو بيد الشعب اللبناني المطلوب منه أن يحدّد أيّ لبنان يريد؟ فبرغم أنّ المجتمعين الإقليمي والدّولي لن يتركا لبنان لمصيره، لكن إن اختار اللبنانيّون المصير الأسوأ فعلى ما يبدو في هذه الحالة أنّه سيتم عزله عربيّاً ودوليّاً بكلّ ما للكلمة من معنى، ليُترَكَ بعدها اللبنانيّون كلّهم في مواجهة المصير الذي اختاروه بأنفسهم في صناديق الاقتراع.

 

فالمجتمعان الإقليمي والدولي قرّرا المواجهة، والمرتَقَب من المجتمع اللبناني ككلّ أن يواكب هذه المواجهة وطنيّاً كي لا يصبح لبنان جزيرة معزولة بالمطلق في محيطه، وعندها يؤول دوره الجيوبوليتيكي إلى العدوّ الإسرائيلي الذي ما فتئ يسعى لأن يقبض على هذا الدّور. وإن لم يساعد “حزب الله” اللبنانيّين في استرجاع دورهم من البوّابة العربيّة، فهو يكون حتماً متواطئاً مع العدوّ الإسرائيلي ليحوّل الدّور اللبناني إليه بالمجان.

 

من هنا، على الرأي العام اللبناني التحرّك فوراً تلقّفاً لما يدور في الإقليم لأنّ الفرص قد لا تتكرّر، وإن عادت وتكرّرت فلن تكون مفاعيلها لصالح الشعب اللبناني حتماً بل ستكون على حسابه. فالتدويل أتى إنّما هذه المرّة ليس استجابة مع طروحات البطريرك الراعي بمؤتمر دولي وإعلان حياد لبنان، لكن نتيجة لتدخّلات “حزب الله” وتوسّعه في الإقليم ليلعب دور المزعزِع للأمن الإقليمي، وحتّى الدّولي من قبرص إلى فنزويلا فاليونان وإيطاليا وغيرها من البلدان في الأصقاع الأربعة.

 

وعلى ما يبدو حتّى هذه اللحظة أنّ اللبنانيّين توّاقون إلى استعادة دورهم الريادي في المنطقة باستنهاض بلدهم أوّلاً لأنّهم اختبروا نمطيّة الحياة في ظلّ الهيمنة الإيرانيّة التي تديرها منظومة فاسدة يغطّيها جيش الاحتلال الإيراني في لبنان. واللبنانيّون اليوم مستعدّون أكثر من أيّ يوم على قلب الموازين رأساً على عقِب لأنّ حاجز الخوف قد انكسر، ومن لا يَخَفْ ينتصر.