تكاد البيانات الدورية للأمم المتحدة ومجلس الأمن في شأن القرارات الدولية ذات الصلة بلبنان تشبه صراخ بكركي في ما يتصل بأزمة الفراغ الرئاسي. فحين تعاين البيانات والنداءات الأممية عن حقائق الواقع المأزوم للبنان عبر تحديثات جديدة للتطورات تخرج باقتناع بأنه على رغم كل الابتلاء بالتداعيات المخيفة للحرب السورية على لبنان لا يزال ثمة حبل موصول بإمكانات صمود الستاتيكو الاقليمي – الداخلي الذي يحكم لبنان. بالأمس القريب كان التقويم الدوري لمسار تنفيذ القرار ١٥٥٩ أشبه بنعي كارثي لانتهاكات متزايدة خارجية وداخلية لهذا القرار الذي رسم يوم صدوره علامة اندفاع دولي غير مسبوق لفرض السيادة الوطنية اللبنانية الخالصة ، فاذا بكل مندرجاته تضحي اليوم امام واقع شديد القتامة استبدلت معه الوصاية السورية بتمدد الحرب بين النظام السوري ومعارضيه “المعتدلين” و”الارهابيين” الى الحدود وداخلها. مع ذلك بقيت في التقويم علامة يتيمة يضيء عليها صمود الجيش اللبناني في حربه مع الارهاب. وفي النسخة الأكثر حداثة لتقويم مسار القرار ١٧٠١ بالأمس حدّث ولا حرج عن تصاعد المخاوف من الانتهاكات للحدود وتوغلات التنظيمات الارهابية. ولكن ايضا لا تزال ثمة نقطتان “عالقتان” بمنحى ايجابي عبر الستاتيكو الهادئ على الخط الازرق وكذلك الرهان على الجيش.
لعل معظم اللبنانيين لا يلتفتون الى مضامين هذه البيانات من زاوية فقدان الأمل بأي تأثير واقعي للأمم المتحدة على مجريات الأحداث عندهم وفي المحيط الاقليمي الأوسع اولاً وثانيا، لأن تدويل الحلول المتصلة بلبنان، صار من عصر غابر. ذلك ان التدويل في لبنان، على القلة الباقية، منه، لا تزال صورته افضل من تدويل صوري هامشي بالكاد يمكن تلمسه في سوريا، حيث لا النظام ولا المعارضين ولا حتى التحالف الدولي يقيمون اعتباراً لخططه على ما تفصح خطط الموفد الدولي ستيفان دو ميستورا. ولكن للبنان قصة مختلفة هي تجربة التعايش الطويل، بين التدويل الذي سعى ويسعى الى الحفاظ على خطوط حمر تسمى مظلة دولية، ومسايرة النفوذات الاقليمية ذات السطوة الساحقة على الساحة اللبنانية في السياسة وعلى الحدود. وفي ما بلغه لبنان اليوم عبر أزمته السياسية الكبيرة داخلياً والأخطار المتعاظمة عليه خارجياً قد تكون هذه التجربة امام الفصول الحاسمة التي يختبر عبرها لبنان ما اذا كانت تلك المظلة لا تزال تحظى ببقايا تأثير ام ستجتاحها هي الاخرى صراعات الإقليميين من كل حدب وصوب، تماماً كما ينازع لبنان الوقوف على شفير الحفاظ على بقايا استقرار وسط فراغ رئاسي واستنفار امني وعسكري وتهديدات ارهابية. ولعل الصورة الأكثر تعبيراً عن هذا التوازن الهش هي في نداءات الامم المتحدة لانتخاب رئيس للبنان الذاهبة بدورها كصراخ بكركي الى آذان صماء .