IMLebanon

تعبئة طائفيّة… ودعوات الى التقسيم … واستدعاء الخارج “بالتدويل”

 

هل يتكرر “سيناريو” المحكمة الدوليّة باغتيال الحريري في تفجير مرفأ بيروت؟

 

هل الازمات والاحداث والتحركات في الشارع تسيّر لبنان باتجاه وضع “وصاية دولية” عليه، وهو لم يخرج منها بعد، وقد بدأت منذ القرن التاسع عشر، في ما سمي “بروتوكول عام 1864″، الذي اتفقت عليه سبع دول، واوصت بحكم “القناصل” في جبل لبنان اثر الاقتتال الطائفي بين الدروز والمسيحيين عموماً والموارنة خصوصاً، وقد شهد الجبل في قسميه الجنوبي والشمالي امتداداً الى زحلة اقسى ازمة اقتصادية واجتماعية، وكثرت فيه الهجرة.

 

وما اشبه الامس باليوم، حيث التاريخ يعيد نفسه بتكرار الاحداث فيه، مع اختلاف الاسباب والظروف والمصالح الداخلية والخارجية، حيث اعاد تقرير دولي حول الوضع اللبناني التذكير، بأن ازمته الحالية شهد مثلها بعد منتصف القرن التاسع عشر كما في بداية القرن الشعرين، وهذا ما يشهده لبنان في ازمته الحالية، التي بدأت قبل نصف قرن بحرب اهلية، تفرعت منها حروب داخلية، وغزوات “اسرائيلية”، ودخول قوات سورية وخروج منظمة التحرير الفلسطينية، ومجيء قوات اطلسية او متعددة الجنسيات اميركية وفرنسية وايطالية، ثم الغزو الصهيوني للبنان صيف 1982، حيث عاش اللبنانيون اقسى حياتهم وشهدوا على مجازر وتهجير ودمار وهجرة. ولم تتوقف الحرب التي دامت خمس عشرة سنة الا باتفاق بين النواب اللبنانيين الذين مثلوا ما تبقّى من شرعية، وقد تحول لبنان الى “كانتونات طائفية حكمتها الميليشيات، التي هي نفسها تكوّنت منها سلطة ما بعد الطائف.

 

وما يحدث في هذه المرحلة بلبنان يعيد الازمة الوجودية فيه، منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري قبل 18 سنة، وما تلاه من انسحاب سوري، وانقسام اللبنانيين بين فريقي 8 و14 آذار، ثم حصول العدوان الاسرائيلي صيف 2006، والحروب الاهلية المتنقلة منذ العام 2005 الى 2008، والتي اوقفها اتفاق الدوحة، لكنه لم ينه الصراعات الداخلية، بل صنع هدنة بين متحاربين، كما اتفاق الطائف الذي لم يطبق لينهي بعض اسباب الازمة في الانتماء الى لبنان، وشكل النظام السياسي فيه.

 

فقبل اكثر من ثلاث سنوات حصل “حراك شعبي”، رفضاً لزيادة سعر التخابر الهاتفي عبر “الواتساب”، والذي لم يوصل الى اي هدف من الشعارات التي رُفعت، بل كل ما حصل هو تعميم “الفوضى الخلاقة”، وهي نظرية ابتدعها “المحافظون الجدد”، الذين يسيطرون على مفاصل القرار في الادارات الاميركية سواء الجمهورية او الديموقراطية، وجاءت النتائج لتخدم الهدف، فانهارت الدولة، وشغرت رئاسة الجمهورية، وبات يصعب تشكيل حكومة في لبنان، وسمح القرار الدولي، او محركي ما سمي جمعيات او منظمات غير حكومية باجراء الانتخابات النيابية علها تفرز قوى من غير الطبقة السياسية الحاكمة المتهمة بالفساد، والمتسببة بافلاس لبنان، ونهب موارده، وافقار الشعب وتجويعه، لتأتي النتيجة بغير ما قصد من دعم من سموا انفسهم “النواب التغييريين”، الذين ما لبثوا ان غرقوا في لعبة السلطة، وتحالفوا مع قوى طائفية، كما مع احزاب تاريخية كانت في السلطة منذ عقود، فسقطوا من عقول الناس، في فترة قليلة، وفق تقدير من الذين شاركوا في “ثورة 17 تشرين” التي خيّبت الآمال، فانكفأت، وتفرّق المواطنون من حولها، لانها زادت من الازمات سواء بتدهور سعر صرف الليرة، وتراجع القدرة الشرائية، والاستمرار في نهب اموال المودعين، وبقاء قوى السلطة في مواقعها، تتجادل على الدستور والصلاحيات، والمؤسسات شاغرة.

 

من هنا، فما من قضية في لبنان، الا وتنحرف عن اهدافها وتقع في الطائفية، او يجري تحويلها الى اداة لقوى الامر الواقع الداخلية، او المصالح الخارجية. هذا ما بدأته الحركة الوطنية في برنامجها الاصلاحي عام 1975، فجرى الانحراف عنه، وتحوّل الى صراع طائفي، ولعب النفوذ الدولي والاقليمي والعربي ومصالحهم، في استقطاب اطراف الحرب الاهلية التي سقط فيها نحو 200 الف قتيل ومئات آلاف الجرحى والمعوقين، وفق وصف مرجع حزبي واكب تلك المرحلة، بانها كانت الاصعب على اللبنانيين، والذي انهى حربهم الداخلية، هو تلاقي مصالح خارجية، وانتهاء صلاحية ان يستمر لبنان ساحة حروب بالواسطة.

 

وفي هذا الاطار، فان ما يتحضر للبنان يفوق الخطورة مع ارتفاع اصوات، لا سيما مما كان يسمى “المنطقة الشرقية”، التي تحولت الى ملجأ او “كانتون مسيحي” اثناء الحرب تدعو الى الانفصال عن “الشريك الآخر” في الوطن، وصدر هذا الكلام عن سامي ونديم الجميل، وكميل دوري شمعون، وبدأ ظهور مسلح لمجوعة سمت نفسها “جنود الرب” للدفاع عن “المناطق المسيحية”، وانتشر شريط “فيديو” لرئيس حزب الاتحاد السرياني ابراهيم مراد، يدعو الى تطهير “المناطق المسيحية” بكلام خطر جداً، يستعيد فيه مرحلة السبعينات وما تلاها من حروب، اذ كان الهدف “السلاح الفلسطيني” الذي يغطيه الشريك المسلم السني عموماً مع قوى يسارية، واليوم فان المشكلة هي مع سلاح حزب الله، الذي هو “احتلال ايراني مقنع”، كما يدّعي اصحاب الدعوات الى الطلاق والتقسيم.

 

هذه الاجواء، هي تعبئة لحرب اهلية، واستدعاء الخارج الى الداخل، بعد ان وصل لبنان الى توصيف “الدولة الفاشلة” التي تستدعي وصاية دولية، وهو ما يطالب به البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي بالحياد والتدويل، وهما موضوعان يثيران الخلاف حولهما بين المكونات اللبنانية، ونظرة كل فريق اليهما، اذ ترى مصادر سياسية واخرى ديبلوماسية، ان لبنان دخل في لعبة “التدويل” او الامم، وما مجيء قضاة من فرنسا والمانيا وبلجيكا للتحقيق في قضايا مالية، كما في مسائل اخرى، ومنها التفجير الذي حصل في مرفأ بيروت، وقبل ذلك الدعوة الى توسيع صلاحيات قوات الطوارىء الدولية، واستخدامها تحت الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، وتوسيع انتشارها خارج مناطق عملياتها جنوب الليطاني الى البقاع وربما بيروت، لا سيما في المطار والمرفأ.

 

وتتوقف المصادر عند تحرك اهالي ضحايا مرفأ بيروت، ودعوتهم الى تدويل التحقيق ونقله الى محاكم دولية، وهو ما يذكّر بموضوع انشاء المحكمة الدولية في قضية اغتيال الشهيد رفيق الحريري، وما احدثت من انقسامات واقتتال داخلي، اذ ان الانقسام الذي حصل بين اهالي الضحايا وتحوّلهم الى فريقين ليس بريئاً، والذي ادى الى نظرة كل فريق الى عمل القاضي طارق البيطار بعين مختلفة، وادى الى ادخال ملف المرفأ في التسييس، وهذا ما يؤلم اهالي الضحايا، الذين يريدون معرفة حقيقة ما حصل بالمرفأ وهذا حقهم، والمسألة تتعلق بهم وحدهم، وليس بآخرين يريدون استغلال قضيتهم.

 

فهل ما يحصل في موضوع انفجار مرفأ بيروت يؤسس لازمة داخلية في ظل الانقسام حوله، ونكون امام خلاف حول التحقيق في لبنان والمحاكمة فيه، ام يعاد “سيناريو” المحكمة الدولية، ومليار الدولار التي صُرفت عليها؟ ولم يُعرف كيف قتل الرئيس الحريري ورفاقه، حيث دخل على الملف، التسييس كما التطييف، وشهود الزور، وسجن اربعة ضباط، وتحويل الاتهام الى النظام السوري، ثم تبرئته، ليتوجه الى حزب الله وعناصر منه لا قيادته، وما زالت الروايات كثيرة، كما هي الحال في تفجير مرفأ بيروت، من الشركة المستوردة الى الباخرة وقبطانها، وتعطلها وانزال النيترات في مرفأ بيروت باذن قضائي لبناني، وانفجرت بعد سبع سنوات…!