IMLebanon

العقَد المتقاطعة بين «المرشد» و«السلطان»

انطوان خوري

مصالح كلّ مِن إيران وتركيا المتقاطعة في الإقليم، ترتدي الطابعَ الإيجابي أحياناً قليلة، وفي أحايين كثيرة الطابَع السلبيّ، وسط اضطرابات هائلة من اليَمن إلى البحرين فالعراق وسوريا ولبنان، وصولاً إلى غزّة، ومن جديد إلى سيناء وشمال أفريقيا الملتهب.

إفتراض القدرات المالية والعسكرية لهاتين الدولتين معطوفةً على الديموغرافيا، يَعني أنّهما الأكثر هيمنةً وحضوراً في الإقليم، ويمسكان بأوراق كثيرة، تضاهي أحياناً ما لدى الدوَل الكبرى، إنّما لا يمكن إغفال أدوار اللاعبين المحليين، بخاصة دوَل مجلس التعاون، حيث الوزن الماليّ والتقني، المؤدّي إلى فرضِ توازن في الميدان الملتهب، وحيث مصر الوازنة في العالم العربي. بين طهران وأنقرة، ملفّات متقاطعة كثيرة غالبيتُها عربية، وقليلُها كرديّ، ما يفَسّر تبادلَ العقَد، على غرار تبادلِ المصالح .

وبين المرشد الإيراني علي خامنيئي، «والمرشد» العثماني» بالمعنى المجازي رجب طيّب أردوغان، تَسود عقَد متبادلة، محورُها الأسد، والمتفرّعات كثيرة:

عقدة سوريا، تتجاذبُها طهران وأنقرة مختصَرةً بعقدة الأسد، فالأولى تريد دوراً وازناً لرئيس النظام، في أيّ دور بمستقبل سوريا، انطلاقاً مِن المرحلة الانتقالية، إلى الخواتيم، فيما لا تريد أنقرة أيّ ذِكر للأسد في سوريا الجديدة.

عقدة طهران: تتمحوَر في رفض الرياض فكرةَ إشراكها في اللجنة العليا لرعاية الحلّ السِلمي في سوريا.

عقدة القاهرة: رفضُ أنقرة أيَّ دور لها في تلك اللجنة. ناهيك عن عقدة ملف «الإخوان المسلمين» غير القابل للهدنة والحَلحلة…

بين العقَد المتقاطعة، يتبادل أقوياء الإقليم رسائلَهم بالدم في الميدان السوري، وأحياناً في قلب تركيا، التي يَذهب أردوغان فيها إلى أقصى الممكن، لفرضِ أجندته.

يسَجّل «للسلطان» الجديد في أنقرة، فرض المنطقة الآمنة في سوريا على واشنطن، ما يطلق حرّيتَه في الحراك السياسي والأمني، ويمهّد لرسم حضورِه في مستقبل سوريا، عبر القضاء على فكرةِ إقليم كردي مستقلّ في شمال سوريا، على غرار كردستان العراق، وعليه، فضّ حلمِ الدولة الكردية القادرة على التواصل مع ديار بكر، داخل تركيا نفسِها.

وهذا يفسّر إلى حدّ كبير سياسة أردوغان الأقرب إلى احتواء المتشدّدين في سوريا، وإبقائهم تحت السيطرة، منه إلى إنهاء ملفّهم، رغم التهديدات الداعشية الطارئة بالاقتصاص منه، لاتّهامه ببَيع ورقتِهم إلى واشنطن… وتبدو أنقرة حذِرةً في خطواتها بعد التأكّد مِن دور واسع لطهران في تمويل الورقة الكردية في القامشلي والحسَكة.

في سياسة أردوغان الداخلية، يَرغب الرئيس الالتفافَ على الحضور الكردي المستجدّ في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، التي أوصَلت حزبَ ديمرطاش إلى ثلاثة عشر في المئة من حجم البرلمان، وبات معها الأكراد قوّةً وازنة في ائتلافات الداخل، ما قلّصَ نفوذَ «العدالة والتنمية» وأفشَلَ مساعي أوغلو في تشكيل حكومة جديدة… وبالتالي هروبه الى الامام، في انتخابات عاجلة بعد أقلّ مِن شهرين.

إذاً، المواجهة الايرانية التركية على الارض السورية تمرّ حكماً في المسألة الكردية، حيث لكلّ منهما مصالح عدّة، وحصّة مِن مساحة الجغرافية الكردية وديموغرافيتها. لكنّ التقاطعات النفعية تضعهما على تماس، فليس تفصيلاً نفوذ واشنطن وإسرائيل في الحضور الكردي بالعراق، فيما واشنطن تماشي أنقرة بتوازن في قاعدة انغرليك مقابل ضرب داعش.

في خلفية العقَدِ المتقاطعة، حسابات شيعية في سياسة إيران بالإقليم. وحسابات سنّية في سياسة تركيا، وما بينهما، عقَد مماثلة بالدفاع الخليجي عن سياسات تحاكي واقعَ الانتشار السنّي في سوريا، وسياسات مصريّة تسير في تماس معها، إنّما ليس عبر تركيا وقطر، وليس مع طهران ونهجِها، وإن أقرب إلى مفهوم نظام الأسد/ إذا ما بقيَ منه/ .

والتقاطعات هذه ترسم الخارطة الإقليمية بكل تجَلّيات عقدِها، ما يفَسّر تأخّرَ الحلّ الختامي إلى سنوات، يَخلق فيها المزيد من العقَد المتقاطعة، في لعبةِ قضمٍ، أفقُها مفتوح.