IMLebanon

الحروب المتقاطعة»: دمنا هو الثمن

كما هي الكلمات المتقاطعة، تحاول حل أحجيتها إذا استطعت الاستفادة من الأحرف المشتركة بين كلمات الشبكة. هذه هي صورة المعارك المؤلمة في سوريا اليوم. وهكذا تتغير الأولويات عند بلوغ أي عقدة. من صاغ «الشبكة» بالأصل واحد، هو الأميركي، ولكنه نتيجة رعونته وتصوره أنه الوحيد القادر، فقد قدرة التحكم الكاملة، خاصة أن مصالحه دفعته لفتح أكثر من جبهة في العالم، جبهات لم يسلم منها حتى حلفاؤه في أوروبا وفي الشرق الأوسط.

لم يعد اللاعب الوحيد ولكن بدون شك، بقي اللاعب الأقوى. يواجه الروسي ثم يعود ليساومه (ولكن ليس على حسابه). يدعم الانقلاب في تركيا، وعندما يفشل يتبرأ منه محاولاً استعادة الحليف التركي الذي حرد باتجاه موسكو وطهران.

يغري «الكردي» بحل مشكلته التاريخية واستعادة حقوقه من عرب لم يعرفوا كيف يتعاطون مع موضوع الأقليات العرقية، وحولوها ــ بدل أن تكون مصدر غنى ثقافي وحضاري ــ إلى قنابل موقوتة بانتظار المشروع الأميركي القادر على الاستفادة من هكذا تناقضات.

نعم، يخلقون «داعش» بالتعاون مع الخليج وأوروبا وتركيا، وعندما يرون إرهاباً يطال الجميع، يحولونها إلى العدو رقم واحد يستفيدون منه بالتواجد المباشر، داخل سوريا في مواجهة أية خطوة تحافظ على وحدة سوريا وشعبها، يضربونها في مكان ويساعدونها باسمها المباشر أو بأسمائها المستعارة، حيث تقتضي الأمور ذلك.

& & &

اليوم، تغيرت الأولوية، فما عادت حلب أم المعارك، بل تحولت إلى خطوط تماس متوازنة. و «داعش» حلب ليست الخطر الأول على العالم و «إرهابيو حلب» يمكن استنفار العالم من أجل دعمهم وإنقاذهم من الحصار، على عكس إخوانهم في «جرابلس» الذين يُستَفاد منهم ليتحولوا إلى ستار لاستعادة حلم الشريط العازل الذي يرسم حدود النفوذ التركي في سوريا؛ هي أيضاً هدية استعادة العلاقة الأميركية – التركية، وهي ضرورة لإبطاء مسار تطور العلاقة الروسية – التركية و الإيرانية – التركية.

و «المبادئ» ليست مهمة عند كل اللاعبين، فالمصالح هي الأهم، تتقاطع وتتباعد، فيصبح التركي حريصاً على إيجاد «زاوية»، يجلس فيها النظام السوري على طاولة المفاوضات. والروسي والإيراني يغضان النظر عن الدخول العسكري التركي إلى الأراضي السورية وخرق سيادتها؟ وأين هذه السيادة وجيوش العالم على أرض الشام والعراق؟

أما «الأكراد» الذين دفعتهم التقديرات الخاطئة لقادتهم من جهة، والظلم المستمر للقادة العرب من جهة أخرى، إلى الظن بامكان أن تدعمهم الولايات المتحدة، على حساب علاقاتها مع تركيا وإيران وعلى حساب نفوذها في العراق، وجدوا أنفسهم اليوم أمام أميركا أخرى، تدعم الغزو التركي الذي يستهدف شكلاً تنظيم «داعش»، وما هو في الحقيقة إلاّ قطع الطريق أمام احتمال التواصل بين المناطق الكردية في سوريا أولاً وما بين سوريا وتركيا ثانياً.

هذه الصورة، تكفي وحدها لإطلاق الصرخة، حتى ولو كانت صرخة في وادٍ. إطلاق صرخة، في وجهنا قبل أن تكون في وجه الآخرين، صرخة تدعو إلى الكف عن «اللغة الانتصارية» التي تسود خطاباتنا وتحليلاتنا، عند المعارك الجزئية الرابحة. صرخة في وجه القناعة بإننا قادرون على استثمار التناقضات الدولية، في حين نرهن أنفسنا لمساوماتها، فيصبح الحديث عن استئناف محادثات جنيف وكأنه انتصار. نعم نعلن فرحتنا في تحويل سوريا إلى مادة تناتش أمام مصالح الدول في العالم وفي الإقليم.

صرخة أمام أنفسنا، للقول بأن سياسة إهمال حقوق الأقليات ومنهم الأكراد وعدم التعامل معهم كمواطنين، هي سياسة تخدم المشروع الأميركي وتجعله قادراً على الاستفادة وطرح نفسه مدافعاً عن حقوقهم أمام قيادات للأقليات تركبها أحياناً عقد المغامرة والمراهنة.

صرخة في وجه اليسار والقوى القومية والديموقراطية، لعدم الاستعجال في المراهنة على حلول خارجية والمبادرة ولو من موقع الضعيف وغير القادر، إلى رسم سياسة أخرى مختلفة، تعيد تحديد مهام حركة التحرر الوطني، على قاعدة الانحياز للفقراء ومصالحهم وعلى السيادة والاستقلال والمواطنة والمساواة وعلى تحرير فلسطين. نعم مجدداً فلسطين النموذج التي حَوَّل مقاوموها الضعف والجوع إلى سلاح لا تطاله الطائرات والصواريخ، فتنتصر عليها مع بلال كايد ورفاقه.

المقاومة ضرورة، فلا نغرق في المراهنة على انتصارات سريعة تجري على حساب مشروعنا القومي التقدمي المستقل. التضحيات ستكون كبيرة وعلى أكثر من أرض عربية، علينا أن نستعيد المبادرة ولو أخذت وقتاً.

(&) الامين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني