IMLebanon

حديث اللاتدخل الخارجي  في قمة التدخل

خطاب العواصم عن حال لبنان كما عن حال سوريا هو، في جانب منه، عملية بيع أحلام في أرض كوابيس. شيء من كلام عالم افتراضي مفصول عما يدور في العالم الواقعي. وشيء من التركيز على طابع نبيل للأدوار وسط تغطية الأهداف الحقيقية. وأكثر الداعين الى عدم التدخل في الشؤون الداخلية هم الذين يمارسون التدخل ويرون أن كل شأن داخلي هو شأن خارجي. ولا شيء يعبّر عن الشيزوفرينيا السياسية في اللعب بالأزمات والتلاعب بالكلمات أكثر من وثائق الأمم المتحدة وبيانات جنيف وفيينا وميونيخ.

ذلك أن قمة الأحلام أن يكون اللبنانيون قادرين على فعل ما يطلبه لهم ومنهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. فهو يقول خلال استقباله للرئيس سعد الحريري نحن موقفنا مبدئي، وهو أنه لا بد من أن يحل الشعب اللبناني بنفسه ولوحده كل المشاكل التي تواجهه بعيداً من أي تأثير من الخارج. ونتطلع الى أن يتخذ جميع الشركاء الخارجيين الموقف نفسه. وهو يعرف أن مشكلتنا ليست فقط التدخل الخارجي بل أيضاً قابليتنا للتدخل الخارجي ومطالبتنا به وانقساماتنا الداخلية المفتوحة على صراعات المحاور الاقليمية. ومن الصعب تصوره متفاجئاً بسماع ضيفه يقول إننا نثمّن الدور الكبير الذي تضطلع به روسيا في المنطقة، ونتطلع الى دور لكم في لبنان أيضاً. فهل دعوة اللبنانيين الى حلّ مشاكلهم بأنفسهم هي الرد الديبلوماسي الملطّف على مطالبة موسكو بالسعي لاقناع ايران بفتح الطريق الى انتخاب رئيس للجمهورية؟

وقمة الأحلام في سوريا هي الخروج من الحرب بتسوية سياسية عبر حوار سوري – سوري بقيادة سوريين حسب كل الوثائق. لكن الواقع ان حرب سوريا ليست بين السوريين وحدهم. والتسوية لن تكون بين السوريين وحدهم. فلا من أجل مستقبل السوريين وحدهم تقاتل دول وتنظيمات الى جانب النظام وتدعم دول بالمال والسلاح المعارضة، ويندفع نحو أربعين ألف متطرّف من دول عدة للقتال الى جانب داعش. ولا من أجل صورة سوريا وحدها تلعب المجموعة الدولية لدعم سوريا أدوارها في البحث عن التسوية السياسية.

أليس التفاهم بين الرئيسين بوتين وأوباما بعد الدخول العسكري الروسي في الحرب هو ما فرض وقف الأعمال العدائية؟ أليس ما يقوم به الثنائي لافروف – كيري هو حياكة التسوية السياسية، والتزام كل طرف إقناع الجانب السوري الذي يدعمه بالسير فيها؟

لا أحد يجهل ثمن اللعب مع الكبار. فهم يقررون توقيت التدخل وحجمه ونوعه. وهم يربطون التسوية بضمان مصالحهم. والمفارقة ان عدم التدخل الذي يتحدث عنه الجميع يراه البعض نوعاً من العقاب.