«إذا ما في عندن أوادم بهالدولة يروحوا يهاجروا ما راح يوصلوا للسلطة». جملةٌ قالها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون خلال مقابلة تلفزيونية أمس الأول، رداً على عدم تجاوب «الحراك» مع دعوته الى تشكيل وفد للتحاور معه، فأشعلت الشارع مجدداً، وعمّ المنتفضون الشوارع وقطعوا الطرق في مختلف المناطق. هذه العبارة أتت لتُكمل تجسيد «انتفاضة 17 تشرين الأول» لـ»ناطورة المفاتيح»، مسرحية الأخوين رحباني عام 1972. فهل تكون خاتمة هذه الانتفاضة مشابهة لخاتمة ذلك العمل الإبداعي؟
تجري أحداث مسرحية «ناطورة المفاتيح» لعاصي ومنصور رحباني كالآتي: إضافةً إلى الضرائب المفروضة على الشعب أسّس «غيبون» الملك ضريبة سمّاها «حصة الملك»… لم يتحمّل شعب المملكة هذه الضريبة، إذ إنّ أحواله كانت تعسة وقدرته على العيش مذلولاً ومظلوماً قد نفدت… حاول «حكيم» المملكة تحذير الملك من غضب الناس، إلّا أنّ جوابه كان: «شو بدن يعملوا؟ اضراب بْفشّلو، تمرّد بْسكّتو، احتجاج ما بسمعو، ثورة؟ عندي حرس كفايي…».
أجابه الحكيم: «ما حدا بيقدر يحبس الميّ، والناس متل الميّ إلّا ما تلاقي منفذ تتفجّر منّو». وهذا الذي حصل، فهَجَرَ الشعب المملكة. وبعد محاولات فاشلة عدة لـ«خلق» رعيّة ومنها «العفو العام» عن المساجين، لم يبقَ أمام الملك إلّا مناداة الشعب و»شحد» عودة الناس الى بيوتهم والنزول عند مطالبهم.
في 17 تشرين الأول 2019 أتت «ضريبة الواتساب» لتفجّر مياه غضب اللبنانيين، بعد صبرٍ طويل على ممارسات السلطة الحاكمة. مرّ 28 يوماً على الغضب السائل بطرق مختلفة، من تظاهرات وقطع طرق وإغلاق مؤسسات ومرافق رسمية… وما زالت السلطة تتحايل على «الشعب».
الفارق بين انتفاضة 2019 ومسرحية «ناطورة المفاتيح» أنّ الشعب اللبناني لا يريد أن يهاجر أو مقايضة بقاء الطبقة السياسية الحاكمة بمطالب محددة، بل يريد رحيل هذه السلطة. أمّا الهجرة فهي إحدى أبرز المشكلات التي تعاني منها العائلات اللبنانية والتي أدّت الى الإنتفاضة.
لكن التحرّكات الإحتجاجية التي حصلت ليل أمس الأوّل مباشرة بعد انتهاء مقابلة رئيس الجمهورية التلفزيونية، كانت ستحصل مهما كان الذي سيدلي به الرئيس، حسب مصادر وزارية قريبة منه، فالتحرّكات مدروسة ومُخطّط لها، وتؤكّدها المعطيات الآتية:
– الرسائل الصوتية التي جرى تبادلها عبر «الواتساب» بين منسّقي التحرّكات الإحتجاجية، خصوصاً في مناطق جبل لبنان، والتي يدعون فيها الى التوجّه الى الطرق وقطعها حين ينهي الرئيس كلمته.
الأمر الذي يشير إلى أنّ القرار مُتّخذ بصرف النظر عمّا سيقوله الرئيس أو يعلنه، وبالتالي، إنّ حجّة التحرّك على خلفية أيّ كلام ساقطة.
– تحريف كلام الرئيس، تحديداً عن الهجرة. فعلى رغم البث المباشر وكلّ التوضيحات، استمرّ التسويق بأنّه قال للبنانيين أن يهاجروا «إذا مش عاجبن الوضع».
– تقارير الأجهزة الأمنية التي أثبتت وجود تجمعات، بدءاً من السادسة مساءً، في الأماكن التي انتشر فيها المحتجون بدفعات واحدة عند العاشرة ليلاً، أثناء المقابلة.
أمّا الإحتجاج أمام القصر الجمهوري فلا مبرّر له حسب المصادر. إذ إنّ عون طلب من المتظاهرين أن يُشكلوا وفداً لمقابلته ورفضوا. وتسأل: «كيف سيعرضون مطالبهم وهم يرفضون دعوته؟».
وإذ ترى المصادر أنّ ما يحدث غير بريء، ومُغطّى بالمطالب المحقة والتي عمل عليها الرئيس منذ كان نائباً، مثل تقديمه إقتراحات قوانين مرتبطة بمكافحة الفساد والجرائم المالية والحصانة… تسأل: «كيف يُمكن إقرار هذه القوانين إذا مُنع مجلس النواب من عقد جلسات تشريعية؟ كيف ستؤلّف حكومة إذا لم يُعطَ رئيس الجمهورية الوقت الكافي لإجراء الإستشارات النيابية؟ وإذا بقيت الطرق مقطوعة كيف سيتمكّن النواب من الوصول الى القصر الجمهوري؟».
وفي حين يستمرّ انتقاد عون بسبب عدم دعوته الى استشارات نيابية على رغم مرور أسبوعين على استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، تسأل المصادر: «إذا لم تقرّر الكتل النيابية من ستسمّي، ماذا تفيد الاستشارات؟ وإذا سمّت الأكثرية النيابية الحريري لترؤس الحكومة، وعزف عن قبول التكليف وأصرّ على موقفه، فماذا يحصل؟».
وتكشف أنّ عون «لم يُعيّن موعد الاستشارات حتى الآن، لأنّ الكتل النيابية لم تُعطِ أجوبة وما زالت المواقف مختلفة، فيما أنّ الهدف تأمين تفاهم على إسم موحّد، فإذا أتى النواب الى القصر ولا يملكون اسماً موحّداً، وإذا لم يحظَ أيّ اسم بأكثرية الأصوات، هل نعود الى نقطة الصفر ونخسر شهراً آخر؟».
وتشير المصادر إلى الإختلاف بين الكتل النيابية على الصيغ الحكومية، بين حكومة تكنوقراط أو حكومة تكنوسياسية… وبين أن تكون الحكومة مناصفةً بين سياسيين وتكنوقراط أو أن تكون بصيغة 8 – 4 أو 8 – 6…
وتعتبر أنّ من يحرّك جزءاً من الإحتجاجات، خصوصاً التي تستهدف الرئيس، هدفه الإجهاز على البلد، فيما أنّ الرئيس أقسم على الدستور ولن يسمح بأن يقع البلد أو يُستفرد، وهو يقوم بواجباته ويرضي ضميره، ويسعى الى التوافق على إسم الرئيس المُكلّف لئلا تواجه عملية الإستشارات النيابية، ثمّ التكليف والتأليف، أيّ عراقيل، وتتمّ سريعاً وتنال ثقة المحتجين ومجلس النواب.
وإلى ضغط الشارع، يواجه عون عرقلات ومطالب سياسية، ويحاول التوفيق في ما بينها. وتشير المصادر، أنّ من أسباب التأخير انتظار حسم الحريري خياره بترؤس الحكومة أم تسميته اسماً بديلاً لتأمين التوافق عليه.
في المقابل، لسان حال كثيرين من المحتجين يقول: كلام الرئيس وحده دفعنا الى النزول الى الشارع، فبدلاً من أن يطرح خططاً وحلولاً ويحدّد المسؤوليات، رمى مسؤولية تعريض البلد للخطر على اللبنانيين الذين انتفضوا أساساً بسبب وصول أحوالهم وأوضاع البلد الى حافة الانهيار.