IMLebanon

استعصاء في حلب!

v

ليست معركة حلب إلاّ بالحجم الذي يُعطى لها من قبل مجمل المنخرطين فيها وخصوصاً من قبل المحور الأسدي الإيراني المغطى بالروس وطيرانهم الحربي ومناوراتهم السياسية: معركة كبيرة في سياقات الحرب السورية. وواحدة من أخطر محطاتها وأشدها تأثيراً على مآلاتها وخلاصاتها!

لكن لأنها كذلك، فهي كانت وستبقى جزءاً من حالة الاستعصاء المتحكمة بالنكبة السورية، أو بالأحرى من وضعية الاستنزاف تحت سقف اللاحسم، بانتظار شيء آخر غير الذي يشتهيه المحور الأسدي الإيراني: نضوج واقع يفضي إلى تسوية لا يمكن أن تقوم سوى على حطام معطيين اثنين: الأول هو «الإرهاب» المعنون (حتى الآن) بعنوان «داعش» والثاني هو نظام الإرهاب الذي يقوده الرئيس السوري السابق بشّار الأسد!

والواقع هو أن ضجيج «الانتصارات» الذي يطلقه أقطاب المحور الممانع، موازٍ تماماً لضجيج الطبول الفارغة.. سوى أن الخطب جلل. والفتنة واصلة إلى السماء. والصدى دماء أهل سوريا وأحرارها.. ولولا ذلك لصحّت تهنئة الأمين العام لـ»حزب الله» بـ»انتصارات» تُشرف على تفاصيلها الكبيرة والصغيرة غرفة العمليات العسكرية المشتركة الروسية الإسرائيلية! (أم ماذا؟!).

.. ذلك الضجيج لا يحجب النكبة ولا مآسي أهل حلب (وهم بالمناسبة عرب ومسلمون في غالبيتهم العظمى!)، مثلما لا يحجب حقائق ووقائع المعطى القائل إن البازار الأميركي الروسي لا يزال مفتوحاً، لكنه لم يصل بعد إلى خواتيمه! والحسبة بيع وشراء، والميزان دقيق: مشكلة الإرهاب جزء من مشكلة المعارضة السورية، قبل أن تكون مشكلة الخارج الإقليمي والدولي. لكن بشّار الأسد هو مشكلة سوريا أولاً وأساساً، والعلاقة بين الأمرين مغنطيسية بالتمام والكمال.. وطالما أن موسكو تحكي بلسان الإسرائيليين (قبل الإيرانيين!!) وتقول إنها غير مستعدة بعد للتنازل عنه، وفق الصيغ المعروضة والمعلوكة (من جنيف إلى لاوس)، فإن الأميركيين غير قادرين (حتى لو أرادوا) على إعطاء الضوء الأخضر لحسم معركة كبرى (مثل حلب) يمكن أن تكون تداعياتها كبيرة جداً سورياً وإقليمياً.. وأن يعتبرها المحور الأسدي الإيراني دليلاً على صوابية رهانه على الحسم العسكري وتأكيداً إضافياً على سلوكه الرافض أصلاً وفصلاً أي حديث عن تسوية سلمية!

وذلك يفضي إلى مفارقة كبيرة: «إرهاب داعش» كان واحداً من أنجح الأسلحة التي استخدمها المحور الأسدي الإيراني (الروسي) في حربه ضد المعارضة السورية. لكنه هو ذاته من أنضج المعادلة القائلة بأن الحل، أي حل كان، لا يكتمل ولا يكون قابلاً للدوام والبقاء ما لم يُطمر المغنطيس الجاذب له في التراب (أقله في سوريا)، وذلك ليس سوى بقايا سلطة الأسد ولا أحد (أو شيء) غيرها.

أفرط ذلك المحور في استخدام المعطى الإرهابي والبناء عليه، حتى فلّ حديده وأصيب بالصدأ أو يكاد! وتلك معادلة لم يتوقف عندها طويلاً لا الأسد ولا حماته في إيران: عولمة الإرهاب (أو إيصاله إلى الأوروبيين) جعل جغرافيته التأسيسية محصورة في سوريا (الرقة أساساً) أكثر من غيرها. وذلك أسس لوعي غربي عام مشابه للوعي الذي ربط «القاعدة» بأفغانستان! سوى أن الفارق بين الأمس واليوم، بين سوريا وأفغانستان، هو أن الأميركيين لزّموا الروس هذه المرة الجزء الأكبر من غرف المختبر الذي سينتج العلاج من دون أن يتخلّوا عن مفاتيح ذلك المختبر!

وعلى الهامش (وأي هامش!)، فإن إفراط إيران في استخدام المعطى الإرهابي كسلاح في يدها ومشروعها الفتنوي وربطه بالإسلام الأكثري، بالسعودية أساساً، أنتج وعياً عالمياً، من اليابان إلى الولايات المتحدة مروراً بأوروبا، لا يفرّق بين إسلام وآخر في عنونة الإرهاب! ولا يتوقف كثيراً أو قليلاً أمام تفاصيل الاختلافات والفروقات، بل يأخذ الكل بجردة واحدة! ويرى العنوان الغالب ولا يلحظ أي هوامش أو فواصل!

.. معركة حلب تنتهي عندما ينضج الحل السوري. وغير ذلك، يعني زلزالاً لن يسلم أحد من تداعياته! تذكّروا هذا الكلام!