إنّ الريادة والإبتكار والأفكار اللبنانية تجول حول العالم، ويُعتبر لبنان مختبر الأفكار، وخصوصاً في القرنين العشرين والحادي والعشرين، وأيضاً مقر تدريب أهم الموارد البشرية، حيث نصدّر الإبتكارات والأفكار البنّاءة والريادية إلى منطقة الشرق الأوسط والعالم.
إن الإبتكار والريادة هما المحرك الأساسي للإنماء والتطوُّر، ويمثلان العمود الفقري لاقتصاد صغير مثل لبنان، لإعادة النمو والدورة الإقتصادية.
في المقابل، علينا أن نتقبّل بأننا شعب الخمسة ملايين لبناني، لا يُمكن ولا يجوز أن يكونوا مكوّنين من خمسة ملايين ريادي ومبتكر. إن اللبناني المعروف عنه دولياً ينجح فردياً، لكن يا للأسف يفشل جماعياً. بمعنى آخر، ان اللبناني يعمل ويكافح فردياً لكن في الوقت نفسه يمكن أن يفشل فشلاً ذريعاً إذا واجه لبنانياً آخر لأنه يمكن أن يُعطلا إنماءهما ويخسران في النهاية.
في هذا السياق، حان الوقت أن نتحوّل من الريادة والإبتكار الفردي Entrepreneurship إلى الريادة الجماعية، أو بما يسمّى الـ INTRApreneurship، أي الريادة من ضمن الشركات والمؤسسات القائمة والنامية، وتحتاج إلى رياديين داخليين لمواجهة الأزمة لكن أيضاً لخلق سلع جديدة والبحث عن أسواق جديدة والتميّز والتنويع.
بعد خمس سنوات من أكبر أزمة إقتصادية، إجتماعية، مالية ونقدية في تاريخ العالم، نفخر بأنّ لدينا شركات في كل القطاعات الإنتاجية ستطاعت أن تواجه الأزمة بعزيمة، وقامت بإعادة هيكلة، واليوم عادت إلى مرحلة الإنماء والتطوير.
إن هذه الشركات لا تزال تستثمر وتوظّف، لكن تبحث عن عملاء ينضمّون إليها، ليس لملء الفراغات، لكن للريادة والإبتكار والتطوير. يبحثون عمّن سيقودون الشركة في العقود المستقبلية بأفكار خلاقة ونامية. يبحثون عن INTRApreneur فينضمون بأفكارهم الريادية ويبنون شراكات وتَآزُر مُنتج.
لقد حان الوقت بأن يتحوّل الرياديون والمبتكرون الفرديون إلى مبتكرين جماعيين، يعملون يداً بيد، من أجل تحقيق الإنماء المتكامل والتحوُّل الكبير في الحجم والأرباح. فقوة الـ INTRApreneurship تكمن في التآزر المنتج وتضافر الجهود نحو الهدف الموحّد في ظل حوكمة رشيدة وإدارة صلبة.
نذكّر ونشدّد على أن أساس اقتصاد لبنان كان مبنياً على شركات صغيرة جداً، والتي تسمّى Micro Companies، وتمثّل العمود الفقري والمحرك الأساسي لاقتصاد صغير مثل لبنان.
في ظل الأزمة الإقتصادية والنقدية، والشح في التمويل، سيكون من الصعب خلق شركات جديدة، فالجوهري هو الإندماج والإنخراط لتمكين الأسس، ومواجهة الأزمات المتكرّرة، وخلق الإنماء كمجموعات متكاملة، وليس فردياً حيث المخاطر كبيرة.
في المحصّلة، عُرف اللبناني دولياً بابتكاراته ورياديته، لكن عُرف أيضاً بفرديته وأنانيته، لذا حان الوقت بأن ننتقل من الريادة الفردية إلى الريادة الجماعية، للتآزر المنتج، وإعادة الدورة الإقتصادية والإنماء، عوضاً عن التدمير الذاتي، والتراجع المستدام.