حرب تركيا في حلب جزء من الضغط على دمشق لتنخرط في منع تزويد الحزب بالسلاح
مرّت الأيام الأولى بعد وقف الحرب بالكثير من الصخب الناتج عن عودة مئات الآلاف من المهجرين إلى مناطقهم، وبالحد المقبول من الانتظام تحت راية اتفاق وقف إطلاق النار، بمرحلته الأولى الممتدة ٦٠ يوما. وصار متعارفا عليه أن هذه المهلة هي بمثابة اختبار لبناني وإسرائيلي متبادل ومتوازي سيحدد بالتأكيد طبيعة ما بعد الـ60 يوما والتي تستوجب في ما تستوجب انسحابا إسرائيليا ناجزا إلى الخط الأزرق وإخلاء تاما من حزب الله، عسكرا وعتادا، لجنوب الليطاني. وأصبح على عاتق الجيش اللبناني واليونيفيل مسؤولية كبرى لتطبيق الاتفاق بين لبنان وإسرائيل وليس فقط القرار ١٧٠١، بما يمنع على إسرائيل استعمال أي ذريعة أو حجّة لافشاله، أو في الحد الأدنى توظيف بند الدفاع عن النفس لشن عمليات عسكرية.
لهذه الغاية، بدأ الجيش انتشارا تدريجيا ضمن ٣ مراحل من نهر الليطاني جنوبا صوب الحدود مع إسرائيل، إنتهاء بنشر ١٠ آلاف عسكري في غضون سنة أو أكثر بقليل. كما كان لافتا إعلان اليونيفيل أنها بدأت تعديل عملياتها «بما يتلاءم مع الوضع الجديد»، مؤكدة التعاون مع «كافة الشركاء المعنيين لإنجاح وقف إطلاق النار. كما سنواصل أداء المهام المنوطة بنا».
يعني ذلك أن ثمة قرارا دوليا واضحا بتفعيل المهمة المشتركة بين الجيش والقوات الدولية وإخراجها من الروتين الذي طبع الأداء منذ صيف ٢٠٠٦، وخصوصا في مسألة مقاربة سلاح حزب لله في جنوب الليطاني الذي بات بمثابة منطقة عسكرية تخلو من أي سلاح يخرج عن الدولة، تضاف إليه المنطقة في شمال الليطاني المقابلة للمطلة الإسرائيلية.
ولا ريب أن وجود لجنة لمراقبة تنفيذ الاتفاق وليس فقط القرار 1701، بقيادة ضابط أميركي من القيادة الوسطى، سيترك بصمات واضحة وجلية وجدية في مسألة السلاح.
لكن الاتفاق ينطوي على نقاط ستشكّل حُكما التباسات لاحقة ومتوقّعة عند التطبيق وللجهة المولجة التطبيق. فمقدمة الاتفاق تفوق، أهميةً وجديّةً، بنوده الـ 13، وتذهب أبعد من القرار 1701، في اتجاه مباشر إلى القرارين 1559 و1680. وليس خافيا أن ثمة جهدا يُبذل أميركيا ودوليا لانخراط روسي – سوري في منع إعادة تسليح الحزب عبر المعابر السورية المتّصلة بلبنان، الشرعي منها وغير الشرعي. ويُعتقد على نطاق واسع أن الهجمة العسكرية التركية على مناطق نفوذ الجيش السوري في حلب هي جزء من الضغط الأميركي على دمشق لكي تنخرط هي أيضا، بما يخصّها، في تطبيق مندرجات اتفاق وقف إطلاق النار. وليست بعيدة عن هذا الواقع زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى موسكو.
تتحدث مقدمة اتفاق وقف إطلاق النار صراحة عن:
1- وضع نهاية دائمة للتصعيد.
2- حلّ دائم وشامل باتفاق لبنان وإسرائيل.
3- نزع السلاح من كل المجموعات المسلحة اللبنانية، وليس فقط حزب لله.
4- كلّ لبنان وليس فقط جنوب الليطاني.
5- حصر السلاح في الأجهزة الأمنية الشرعية: الجيش، الأمن الداخلي، الأمن العام، أمن الدولة، الجمارك، الشرطة البلدية.
جاء في نص المقدمة مترجَما: «بعد المحادثات مع جمهورية لبنان وحكومة دولة إسرائيل، يدرك كل من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا أن لبنان وإسرائيل يتوخيان وضع نهاية دائمة للتصعيد الحالي في الأعمال العدائية عبر الخط الأزرق، وأن كلاً منهما جاهز لاتخاذ الخطوات الآيلة إلى تأمين شروط التوصل إلى تفاهم على حل دائم وشامل. هذه التفاهما تنعكس خطوات يلتزمها لبنان وإسرائيل لتطبيق كامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، معترفين بأن القرار 1701 يدعو كذلك إلى تطبيق كل القرارات السابقة الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، بما في ذلك «نزع سلاح كل المجموعات المسلحة في لبنان»، بحيث أن الجهات الوحيدة التي يسمح لها بحمل السلاح في لبنان هي: القوات المسلحة اللبنانية، قوى الأمن الداخلي، الأمن العام، أمن الدولة، الجمارك، الشرطة البلدية».
يعني كل هذا أن لبنان وافق على بدء مرحلة جديدة مغايرة كليا عمّا مضى، مع تسليم بتغيّر جوهري في بنية حزب لله شكلا ودورا، والتزام لبناني بتنفيذ هذا التحوّل. كما يفترض كل هذا مجموعة من الأسئلة: من القادر على التنفيذ، أي رئيس للجمهورية وأي سلطة؟ ما الذي سيكون عليه موقف حزب لله من التحوّل من هيكل عسكري – سياسي إلى سياسي بحت؟ وأي مقومات سيُتفق عليها لوضع خطةٍ لبناء قدرات الدفاع الوطني؟