حصادُ الأسبوع جردتا حساب، هكذا لخَّص سياسيٌّ مرموق ما حصل هذا الأسبوع بين بيروت ولاهاي. النائب وليد جنبلاط قدَّم جردة حساب على مدى أربعة أيام عن الحقبة السورية في لبنان منذ خريف العام 1976 حتى ربيع العام 2005، فأوجز في أربعة أيام تاريخاً حافلاً امتدَّ على مدى أكثر من ربع قرن شهدت فيه العلاقات اللبنانية – السورية موجات مدّ وجزر، قبل الطائف وبعده، وما شهدته مرحلة التطبيق من أخطاء وخطايا بعضها موجع وبعضها مميت.
المهم في هذا التأريخ الجنبلاطي أنَّ زعيم المختارة قدَّم روايةً متماسكة عزّزتها إفادة الرئيس الشهيد، من خلال التسجيلات التي بُثَّت في قاعة المحكمة، والتي سبق أن زوَّد المحكمة بها اللواء الشهيد وسام حسن.
بعد شهادة النائب جنبلاط، باتت المحكمة تملك سجلاً تأريخياً للحقبة السورية في لبنان، وهذا السجل سيتعزَّز الأسبوع المقبل مع شهادة المستشار الإعلامي للرئيس الشهيد وللرئيس سعد الحريري، الأستاذ هاني حمود، ومع معاودة الرئيس فؤاد السنيورة الإدلاء بشهادته.
هذا في جردة الحساب الأولى، ماذا عن جردة الحساب الثانية؟
إنها حسابية بامتياز وتتعلَّق بالموازنة العامة لعام 2015، وحسناً فعل وزير المال علي حسن خليل بأن أعاد بند الموازنة إلى الموقع الذي يجب أن يكون فيه، بعدما غاب أو غُيِّب من أكثر من عشرة أعوام، وقد وضع الخبراء هذه الخطوة على أنّها أكثر من حيوية لأنها تعيد لبنان إلى الخارطة المالية بعدما بقي خارجها طوال عشرة أعوام. ومعلوم أنَّ إقرار الموازنة من شأنه أن يُنعش الوضع الإقتصادي لأنه يضخ السيولة في الأسواق وفي القطاعات.
ولأنَّ إدراج الموازنة على هذا المستوى من الأهمية، فإنَّ وزير المال متمسكٌ بإنجازها لأنه لا يريد أن يكون مروره في وزارة المال مجرد مرور عرضي.
إنطلاقاً من هذا المبدأ ومن هذا المعطى فإنَّ مجلس الوزراء باشر درس الموازنة وقد أنجز من بنودها ثلاثة عشر بنداً على أن يواصل الدرس الإثنين والأربعاء المقبلين.
ولكن في كلِّ ذلك اين بيت القصيد؟
إنَّه في سلسلة الرتب والرواتب، فكيف سيتمُّ التعاطي معها؟
ليس هناك من قرار مسبق في هذا الإطار، بل إنَّ البحث سيبدأ عند الوصول إلى بند النفقات والواردات، وعندها تتمُّ المناقشة وما إذا كانت ستُدرَج أو لا، مؤيدو إدراجها سيُقدِّمون وجهة نظرهم الداعمة للإدراج، فيما المعترضون سيسهبون في الحديث عن المضاعفات. وبين وجهتي النظر سيكون وزير المال حاضراً للدفع في اتجاه إقرار الموازنة لأنَّ هذا هو التحدي الأكبر.
إنَّها مرحلة جردة الحسابات، لكن أخطر ما فيها هو الخشية من القيام بحسابات خاطئة لا تنعكس على مَن يقوم بها بل على الوطن بأكمله.