IMLebanon

«جردة السنة» في بكركي: رئيس.. وغصّة

«المطارنة الموارنة» يتنفسون الصعداء: للانصراف إلى قضايا الناس الحيوية

تشبه سنة 2016 إلى حد كبير درب الجلجلة الذي ينتهي بعيد القيامة. هكذا، حملت الكنيسة المارونية «صليب الشغور» الرئاسي في سنته الثانية الى أن «قام» الرئيس في خواتيم السنة.

استنزف الملف الرئاسي بكركي على مدى 30 شهراً. لم يوفر البطريرك بشارة الراعي وسيلة لرفع الصوت. فتراه طوال موسم الفراغ، يتواصل مع المعنيين ويناشد النواب ويحثهم على القيام بواجبهم الدستوري عبر النزول الى المجلس للانتخاب. صالونه يعج دائماً بالضيوف وهاتفه لا يستريح. عقد لقاءات «رئاسية» مع سفراء الدول الخمس الكبرى. وضع الشغور الرئاسي اللبناني على طاولة الفاتيكان في غالبية لقاءاته مع الحبر الأعظم عبر تقارير مفصلة عن الأوضاع في لبنان والشرق الأوسط وأوضاع المسيحيين ككل. زار الأليزيه وناشد الأم الحنون أن تبادر. وعندما لم تفلح كل المحاولات، لم يتوانَ البطريرك عن تصعيد اللهجة في عظاته وإطلالاته عبر وضع الإصبع على الجرح وتسمية الأشياء بأسمائها.

كل هذا الحراك البطريركي أثمر في تحريك المياه الرئاسية الراكدة. فتوجّه موفدون إلى لبنان، ومن أبرزهم وزير الخارجية الفرنسي بهدف حثّ اللبنانيين على إنهاء الشغور. لم يطالب البطريرك هؤلاء بالتدخل الخارجي المباشر بل بنوع من «الحث والتشجيع على من تمونون عليهم في الداخل»، الى أن حصلت معجزة «صنع في لبنان» وانتخب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في 31 تشرين الأول ليسقط رهان البعض على أن البطريرك كان لديه «فيتو» على أي من المرشحَين للرئاسة.

يعتبر الراعي اليوم أن «العام 2016 انتهى بوجود رئيس قوي يتمتع بمواصفات قيادية مميّزة وشبه إجماع وطني، وقد تمّ انتخابه بعد طول انتظار بجهود كل الأطراف من دون استثناء». فالبطريرك مؤمن بأن المسار كله بما رافقه من طلعات ونزلات وأيضاً بما فيها ترشح النائب سليمان فرنجية الى الرئاسة، جميعها عوامل ساهمت في إيصال العماد عون الى بعبدا.

لكن «الغصّة» التي تبقى في قلب البطريرك تكمن في أمله أن «يكمل الأقطاب الموارنة الأربعة طريقهم بتوافق واتفاق وأن يتعاونوا مع بقية الأطراف المسيحيين من مستقلين وأحزاب».

أليست المهمة شبه مستحيلة؟

تجيب الأوساط البطريركية: «كل شيء ممكن بالمثابرة وعبر وضع المصلحة العليا فوق كل المصالح الأخرى. هناك عناوين أساسية تجمعنا، وهي أكثر بكثير من تلك التي تفرّقنا ويجب البناء عليها».

بعد إقفال الملف الرئاسي ونيل الحكومة الحريرية ثقة المجلس النيابي، ينتقل الجهد البطريركي إلى قانون الانتخاب. هنا، تبدو الهواجس كبيرة. تعتبر بكركي أن «الجميع في الظاهر ضد التمديد وضد قانون الستين، ولكن الخشية من استمرار المماطلة الحاصلة». «فانبثاق مجلس نواب جديد، برأيها، هو ضرورة إلى جانب العهد الجديد للمساهمة في نجاحه وتحقيق أمنيات اللبنانيين».

من المفيد التذكير بأنه من الصرح البطريركي وعبر لجنة منبثقة من اجتماع النواب المسيحيين، توالت المسودات، من «الارثوذكسي» الى «النسبي» وصولاً إلى «المختلط».. على طاولة بكركي تمّت دراسة كل هذه المشاريع من أجل التوصل الى الأفضل. وانطلاقاً من هذا الجهد، باتت الكنيسة تؤمن بأن لا ضيرَ من بعض عمليات «التجميل» لهذا المشروع أو ذاك بغية التوصل الى القانون الأمثل، لكن المشكلة تبقى في النيات المبيتة لاستيلاد قوانين مفصلة على قياس الزعامات.

كيف تقارب الكنيسة مسألة التمديد التقني الذي يُحكى عنه في حال تمّ التوصل الى قانون انتخابي جديد؟

تجيب الاوساط: «هذا شأن تقني لمجلس النواب. الكنيسة وإن كانت ربّما تتفهّم، ولكنها لا تفضل الوصول الى مثل هذه المرحلة. فلماذا نبقى الى اللحظة الأخيرة لنقول للناس إن هذا هو الأمر الواقع وهذه خشبة الخلاص المتبقية؟».

كل ما تتمناه الكنيسة في السنة الجديدة أن تباشر الحكومة العتيدة عملها بنيات مخلصة، واضعة نصب أعينها الخير العام للانطلاق بمسيرة بناء الدولة على ان تكون الاولوية لقانون الانتخاب الجديد. كما تعوّل على الحكومة أيضاً ان تعمل «على بناء ثقافة السلام أي أن لا تسمح للنكايات السياسية بأن تشلها». ما تخشاه بكركي هو أن «يصبح التعطيل هو الخبز اليومي للحكومة فنكون بذلك، وكأننا لم نفعل شيئاً».

في السنة الجديدة، تحرص بكركي على مواصلة رسالتها الأولى في تحقيق الوفاق المسيحي والوطني، وتدعو الى «الالتفاف حول العهد الجديد الذي تضع الكنيسة كل ثقتها فيه، بأنه بدوره منفتح على الجميع من دون استثناء». وتكرر ما سبق للبطريرك الراعي قوله بأنه «سيقف الى جانب الرئيس في أي مسعىً وفاقي قد يقدِم عليه سواء على الخط المسيحي أو الوطني الجامع. لا بل سيقف أمامه ويبارك خطوته».

وفي السنة السادسة لتسلّم الراعي السدة البطريركية، سيواصل سيّد بكركي كل ما بدأه منذ آذار 2011 على صعيد «تحديث المؤسسات الكنسية ومأسستها، بالإضافة الى استكمال جولاته الرعوية الداخلية والخارجية التي ينص عليها القانون الكنسي، علماً أنه مع حلول السنة الجديدة يكون البطريرك قد زار أكثر من 80% من الرعايا في لبنان والخارج وأكثر من 95% من الأبرشيات».

يبقى السؤال عن علاقة بكركي بالفاتيكان ولا سيما في ظل انتشار معلومات بين الحين والآخر عن تصدّع هنا وعتب هناك؟

تجيب الأوساط الكنسية أن البطريرك الراعي «هو الرقم 1 في روما بعد قداسة البابا فرنسيس. فإذا لا سمح الله توفي البابا يترأس الراعي مجلس الكرادلة، لأنه المتقدّم بين بقية الكرادلة في الكنيسة الجامعة لكونه يشغل أول كرسي بعد البابا مباشرة. تجمعه مع الحبر الأعظم علاقة ممتازة جداً والدليل أنه عضو في أعلى محكمة رسولية هي محكمة التوقيع الرسولي العليا بالإضافة الى عضويته في 6 مجالس بابوية. وهي سابقة لم تحصل من قبل مع أي كاردينال في العالم».