IMLebanon

في القياسات المقلوبة!

 

خفوت رنين أجراس الإنذار في إيران، لا يعني أنّها لا تصدح! أو لم تصدح! وأول وأكبر خطيئة (والله أعلم!) تقترفها قيادة ذلك البلد هي إدّعاء الغفلة. ثم الاستمرار في الهواية المستجدة القائلة برمي المسؤولية على كل الناس إلاّ الذات الأمّارة والقهّارة.. ثم العودة إلى الظنّ السعيد بأنّ إشعال الحرائق في الجوار يُبعدها عن الدار! وإن مواصلة الاستثمار في الفتنة ينتج مردوداً إيجابياً أحادياً وصافياً وإلى يوم الدين!!

 

لم يخطئ أحد في قراءة ما حصل على مدى الأيام الماضية، إلا المسؤولون عن الأسباب التي أوصلت إليه. وهؤلاء تلقائياً وطبيعياً ينطلقون من ذهنية مشبّعة بيقينيات خاصة كثيرة أبرزها، أنّهم في «الثورة» و«السلطة» ومنظومة «ولاية الفقيه»، تدرّجاً إلى السياسة الخارجية، وخلقهم إزدواجية داخلية، يعتبرون أنّهم على حق، مبدئياً وقبل التفاصيل وبعدها! وإن غيرهم على باطل! ولا أهمية لما يتفرّع عن ذلك أيّاً تكن مواجعه وتداعياته وكوارثه!

 

وهذا النسق من التفكير هو الذي جعل ويجعل أصحابه يقيسون الدنيا بالمقلوب! وأوّل ذلك اعتبارهم البلايا النازلة بالمجموع العربي والإسلامي إنجازات منسلّة من ألطاف ربّانية أكيدة! وإن قتل مليون سوري وتهجير عشرة ملايين آخرين وتدمير دولة محورية في المشرق العربي هو «انتصار» على الصهاينة والشياطين الأميركيين! علماً أنّه لم يُسجّل في المقابل، مقتل جندي صهيوني واحد! أو عودة لاجئ فلسطيني واحد إلى دياره المقدّسة!

 

.. وإن الاستثمار في أحوال اليمن المتواضعة لبناء حيثيّة ذاتية مذهبية أو منصّة للاعتداء على السعودية وأهل الخليج العربي، هو ركيزة لا بدّ منها لانتشال «الأمة» من كبواتها و«تحريرها». علماً أنّ ذلك عنى ويعني أنّ اليمن زاد ابتلاءً وتواضعاً! و«عجّت» بحار المنطقة بأساطيل الأميركيين والقوى الكبرى! وذهب التهافت القِيَمي إلى حدّ التجرّؤ على قصف أرض الحرمين الشريفين بالصواريخ!

 

.. وإنّ السعي في أرض العراق وبين أقوامه بالنار والتفتيت والمصائب هو تعزيز لـ«الدين المحمّدي الأصيل»! ونشر لثقافة «الممانعة»! سوى أنّ هذه لا تسري إلاّ على أهل السنّة وديارهم وبلادهم! وعلماً أنّ الأميركيين عادوا بعد أن رحلوا! وعلماً في الأساس، أن شبراً واحداً من فلسطين لم يتحرّر من محتلّيه!

 

.. وإن استحضار الروس ميدانياً وتمكينهم في الأرض والسياسة والمصائر في بعض بلاد المسلمين.. ثم توسّل عودة الروابط مع الأميركيين (ما غيرهم!) والأوروبيين غرباً، والصينيين واليابانيين وما يحيط بهم شرقاً، هو أَوْلَى وأَقْوَم وأهم من وأد الفتنة بين المسلمين أنفسهم! ومن قلب صفحة المحن مع الجيران والأشقّاء في الجغرافيا والعقيدة الجامعة!

 

.. وإن المسّ في أسس وركائز الاجتماع الأهلي والسياسي في لبنان والبحرين والكويت وغيرها، هو رصفٌ للطريق إلى القدس! سوى أنّ هذه سُدّت منافذها أكثر! وأحكم محتلّها تلك السدود! مطمئناً مع راعيه، إلى أن «المحرِّرين» مشغولون بما هو أهم عندهم! وتاهوا في الطريق بين صنعاء والموصل وحلب والعبدلي وضاحية بيروت الجنوبية وأحياء المنامة وجوارها! وما بقي من القدس عندهم سوى عنوان «فيلق» يضرب في كل اتجاه إلاّ اتجاه القبلة الأولى!

 

هيّنٌ (وطبيعي) بعد ذلك أن يتدرّج هذا النمط من التفكير نزولاً باتجاه الداخل بعد أن تدرّج صعوداً باتجاه الخارج! وأن يعني هذا، إتهام المتظاهرين في «مشهد» و«قُم» وغيرهما من مدن إيران بأنهم «عملاء» ينفذون أجندة تآمرية أميركية – إسرائيلية – سعودية! ثمّ أن «تردّ» طهران على ذلك بدفع بني حوث مجدّداً إلى استهداف المملكة بالصواريخ! وبتوعّد أهلها بـ«مفاجآت كبيرة»! ثمّ بتسعير الفتك بأهل الغوطة الدمشقية الشرقية! ثم إعادة تفعيل المتاجرة اللغوية بالموضوع الفلسطيني واستحضار لغة الحرب مع إسرائيل! مع الحرص المكين على عدم الاقتراب منها! أو التسبب باندلاعها! أو حتى الإيحاء بالذهاب إليها!

 

أجراس الداخل الإيراني محلية الصنع والصدى والترددات. وأَوْلى بأصحاب الشأن أن ينصتوا إليها جيداً، خصوصاً أن شمّاعة «التثوير» و«المقاومة» و«الممانعة» و«محاربة الإرهاب» و«التكفيريين» إلخ.. ناءت بأثقالها في الخارج، وكارثة ما بعدها كارثة، أن تُعتمد في الداخل لمنع مسار تغييري طبيعي، ولا بدّ منه!