رسمت الطُغمة الحاكمة مسار تحقيقها في الجريمة بحقّ العاصمة وسكّانها. صحيح أنّها ارتبكت بدايةً، إلا أنّها قرّرت إبعاد اسرائيل عن الشبهات، بانتظار اجتهاد يأتيها من محلّل الشؤون الإسرائيلية، ووجّهت أصابع الإتّهام الى عدد من العمّال والموظّفين يطالهم الإستجواب، وأمّنت قدر الإمكان الحماية للأزلام والمحاسيب. وبعدما حدّدت مهلة خمسة أيام لإنهاء التحقيق وكشف الأسباب والمُتسبّبين، عادت وأعطت نفسها مهلة مفتوحة في انتظار الصور الفضائية المطلوبة من الرئيس إيمانويل ماكرون، فإذا جاءت في الموعد يكتمل الحساب، وإذا تأخّرت يتمّ انتظارها، أما اذا تعذّر الإتيان بها فسيُطلب ما يُماثِلُها من دولٍ أُخرى.
التحقيق مُرشّح لأن يطول، والإرشاد المُضادّ سيعتبر زيارة ماكرون والإهتمام الدولي الكبير بالمأساة المُستجدّة تدخّلاً مشبوهاً في الشؤون اللبنانية، ومؤامرة على الحكومة وموقعها في مِحور المُمانعة والمقاومة الذي تقوده ايران ويشترك فيه النظام السوري وأنصار الله الحوثيون… ما يستوجب الإحتياط والتدقيق في كل خطوة. وفي الخلاصة، ليس مهمّاً ان عاصمة دُمِّرَتْ، والألوف من سكّانها قُتلوا وجُرحوا وشُرّدوا من منازلهم المقصوفة… إنّما المهمّ الحِفاظ على مواقع القوة المُتمثّلة بحكومة المواجهة مع العرب والغرب، المُتّجهة بقوة نحو شرقٍ لم تكتشف دروبه بعد.
لقد انتشرت خلال الساعات الأخيرة قصصٌ كثيرة تكشف حقيقة نوايا الفرقة المُقيمة في السلطة. فهي، عدا غربتها التامّة عن مصائب المواطنين في قتلاهم ومصائرهم ومنازلهم وشوارعهم المُدمّرة، منعت متطوّعين ومساعدات أجنبية من دخول لبنان، بينها مجموعة فرنسية تضمّ أطباء وتحمل أدوية، ومجموعة إنقاذ هولندية حُجِزَتْ كلابها المُدّربة على البحث والإنقاذ، وهي الآتية لمساعدة عشرات المفقودين، إستجابة لنداء استغاثة مئات العائلات…
من يسلك هذا المسلك لن يُؤتمن على تحقيق، ولا على إنقاذ حتّى لا نتحدّث عن الإنهيار الأصلي الذي وصله لبنان بقيادة سلطة الميليشيا والفساد.
وحتى إشعار آخر، قد يجد اللبنانيون أنفسهم مُضطرّين لتوجيه الشكر الى هذه السلطة. فلو لم “تسرق” 2400 طن من النترات المُخَزّنة في المرفأ لكانت العاصمة اختفت تماماً، هذا ما يقوله خبير روسي عسكري عليم، شارحاً أنّ الإنفجار ناتج عن 300 طن من نترات الأمونياك فقط لأنّ الكمية الباقية جرى سحبها من “الحجز” المزعوم.
في كلّ حال، تنتهي مهلة التحقيق هذا الأحد، فلنأمل بنتائج وقرارات واستقالات، إلا إذا قضت التوجيهات بتمديد التحقيق الى ما بعد إعادة بناء المرفأ!!