IMLebanon

التحقيق في الأمن الداخلي من المرئي إلى الدفين

ما يجري اليوم من خطوات جريئة لمحاربة الفساد وملاحقة المرتكبين في المديرية العامة للأمن الداخلي اجتذب الرأي العام الذي يعرف الكثير عن دواخل هذه المؤسسة، ويعاني الكثير من ممارسات أفراد ومسؤولين فيها، كما في مؤسسات الدولة الأخرى، بعد استفحال ظاهرة الفوضى والاستهتار بالقوانين والمواطنين، وإقدام «البعض» في مواقع السلطة على تحويل الخدمة العامة الى مجرد بازار رخيص يضجّ بالمقايضة والإذلال وفرض الخوات والرسوم غير الشرعية.

وما يهمّ المواطنين في هذا السياق أمور عديدة يأتي في مقدمها:

أولاً: المحافظة على سلامة التحقيق والمضي فيه من قبل المعنيين في المديرية والقضاء حتى نهايته المنطقية، بحيث تنجلي الوقائع فتصدر العقوبات الرادعة، وتعود الأموال المنهوبة إلى الخزينة المستباحة ويتمّ التعويض على كل مَن تمّ الإضرار به من أبناء المديرية وأبناء البلد.

ثانياً: إعادة النظر في الوضع التنظيمي للمديرية وتكريس استقلالية المفتشية العامة لقوى الأمن الداخلي، بحيث تتمكّن من متابعة شكاوى المواطنين ومسلكية منتسبي المديرية من دون أن تكون تحركاتها وتوصياتها وقراراتها مرتهنة لأحد.

ثالثاً: إعادة النظر في القانون المتخلّف الذي يرعى شؤون المؤسسة ولا سيما البنود التي تجعل من بعض المسؤوليات مواقع وحصوناً طائفية تعصى على المراقبة والمحاسبة، وبحيث يعتمد مبدأ الجدارة بديلاً من مبدأ الأقدمية الذي يعرف الجميع أنه المسؤول عن الترهل وتضخم أعداد ذوي الرتب العالية بدون أن تناط بهم مسؤوليات موازية.

رابعاً: ممارسة لجنة الدفاع والأمن البرلمانية لواجباتها في متابعة عمل المؤسسات المعنية، خصوصاً في ما يتعلق بالفعالية وجدوى الإنفاق وسلامته.

خلاصة القول إن هذه المديرية تشكل عصب الأمن الداخلي ولا يجوز بأي حال من الأحوال وضعها مع سواها خارج خريطة المساءلة. وفي هذا الإطار يبقى أمر مهم جداً ينبغي التركيز عليه ويتعلق بخلفية الحدث والبيئة التي ساعدت على إنتاجه. إن ظاهرة الفساد، التي كادت ان تأتي على سمعة المؤسسة لولا تدارك مديرها العام، لم تأت من فراغ وإنما أتت من ثقافة سلطوية استحواذية منحرفة يُسأل عنها سياسيون قبل العسكريين.

فعندما يطلق مسؤولون سياسيون العنان لغرائزهم في السيطرة والتملك خارج نطاق القانون، ومن ثم يطلقون يد مسؤولين أمنيين على أساس: (لكم مملكتكم تستطيعون التصرف فيها كما يحلو لكم، ولنا مملكتنا نتصرّف بها كما يحلو لنا). عند ذلك لا يستغربنّ أحد أن يختلّ حبل المؤسسة فتصبح بؤرة للفساد والإفساد، ومنصة لصرف النفوذ ومراكمة المال الحرام.

وبعد هل القضية هي مجرد اختلاس أموال وتزوير فواتير مسؤول عنها حفنة من الضباط وغير المؤهلين، أم أنها أكبر من ذلك بكثير؟

أحسب أنها أكبر من ذلك بكثير، ومثلها كثير وشائع وإن كان غير مرئي أو غير معترَف به. إن الأمر لا يتعلق بحدث عابر إنما يتعلّق بظاهرة الفساد المتفشية ومعها مدرسة الانحطاط التي أنتجتها، تلك المدرسة التي يروّج أصحابها للفساد والمخالفات ولا يهتمّون سوى لسلطاتهم ومصالحهم، ولو أدى ذلك إلى تدمير الدولة ومؤسساتها. وعلى هذا الأساس من المصلحة أن يعبر المدير العام كما القضاء من المرئي إلى الدفين.